ياسر صالح البهيجان
يقول الأديب الروسي فيودور دوستوفسكي من يحترفون إثارة الفوضى في المجتمع هم بالتأكيد الذين لا يملكون حلاً لمشكلاته ولكن يبحثون عن الزعامة وسط الفوضى. المقولة تعود بأذهاننا نحو فئات احترفت رفض أي تغيّر اجتماعي يقوّض هيمنتها على عقول شريحة واسعة من البسطاء، واحترفت أيضًا التخوين والتشكيك والتكفير كأسلوب للإبقاء على تأثيرها في المجتمع بعد أن ازداد الوعي وتحوّل رموزها إلى رمزٍ للسخرية والازدراء.
آخر محاولات تلك الفئة البائسة هي تعطيل عجلة الترفيه في المجتمع السعودي، هي محاولات لا تزال تتكلل بالفشل الذريع؛ لاصطدامها برغبة اجتماعية تتوق نحو مساحة من الحرية للاحتفاء بالفنون والثقافة، لذا لم يجد المهولون أذنًا مصغية، رغم سعيهم للتخويف وليّهم أعناق النصوص الدينية كأسلوب لإنعاش آمالهم المتجهة نحو حافة الهلاك وطريق اللا عودة.
ثمة فطرة بشرية ميّالة نحو الإقبال على الحياة والاستمتاع بمحاسنها، وتلك الفطرة السوية كالموج العارم الذي لا يمكن التصدي له بقارب صغير بالٍ، وإنما سيخضع القارب في نهاية المطاف لاتجاه الموجة، والمجتمعات الإنسانية كذلك تذهب في اتجاه رغبة الأكثرية حتى وإن كانت صامتة بلسانها، فإن أفعالها تؤكد رفض العودة لمرحلة الانكفاء على الذات والقيود الاجتماعية غير المنطقية، التي تفسر كل ترفيه بوصفه سمة شيطانية وفتنة مليئة بالشرور.
تقبل الرغبة المجتمعية أمر لا مفر منه، والبقاء على حالة التأجيج والشيطنة لن ينتج عنها إلا مزيدًا من العزلة لتلك الفئة الرافضة لأي تغيير، رغم أن الوقائع التاريخية تؤكد بأنها ستقبل به بعد حين، وستبدأ بتبني برامج ترفيهية خاصة بها كنمط للحفاظ على مستوى شعبيتها الاجتماعية، فمعظم أتباعها حذروا من استعمال شبكتي (انستغرام) و(سناب شات) الاجتماعيتين بادئ الأمر، والآن يواكبون التطور التكنولوجي بتصوير يومياتهم وتوثيق خطواتهم وكأن حديث الأمس مجرد حلم عابر في ليلة لا قمر فيها.
الحق أننا لا نصادر حرية التعبير وانتقاد الفعاليات الترفيهية ما دام النقد يتأسس على رغبة في التطوير والتحسين والارتقاء بالجودة، ولكن دعاوى التقويض والهدم ليست تعبيرًا وإنما تحريض، وليس هناك عاقل يطالب بحرية التحريض لما لها من انعكاسات كارثية على أي مجتمع إنساني، إذ إنها لن تنتج سوى العنف والتطرف وخطاب الكراهية.