د.مساعد بن عبدالله النوح
الوعي والثقافة، هما مصطلحان على علاقة وثيقة بالإنسان ولا سيما في الجانب الاجتماعي لشخصيته، فالوعي ينمو طولاً وعرضاً وفق تفاعل الإنسان مع من حوله من الأفراد والجماعات، ومع مدى معرفته بطبيعة الأشياء التي تحيطه وتفاعله معها. وما يميز وعي الفرد الذاتي هو معرفته بقدراته على اتخاذ أي قرار، حيث إنّ أغلب أفكار الناس هي حصيلة تقدمهم في إنتاج كل ما هو محسوس.
ومن مظاهر انتشار الوعي الثقافي: الاهتمام بالقراءة والتشجيع عليها لدى الطلاب على مختلف مراحلهم الدراسية بإقامة حلقات القراءة الجماعية وحملات تبادل الكتب وتوفر الكتب بالنسخة الإلكترونية، الأمر الذي يعزز الوعي الثقافي ويرفع حصيلة المفردات اللغوية للقارئين. وانتشار الوعي الثقافي، قيام العديد من المسابقات الثقافية على مستوى المجتمع ولفئات عمرية مختلفة، والحصول السريع على المعلومة في ظل التطور التكنولوجي والشبكة الإلكترونية، وانتشار المجلات الثقافية والزوايا الخاصة بالجانب التثقيفي في عديد من الصحف اليومية. وظهور المحطات الفضائية التي تعنى بنشر الثقافة وبث البرامج ذات الأهداف النبيلة.
ومن مظاهره الاهتمام بالمبدعين وإنشاء عديد من الأندية التي تُعنى بالمحافظة عليهم ودعمهم وصقل شخصياتهم حتى يبدعوا أكثر فيما يقدّمون. وانتشار ثقافة العمل التطوعي على الصعيد المحليّ أو الدوليّ، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة حملات التبادل الشبابيّ الثقافيّ بين الدول في المجالات التطوعية والكشفية وغيرها، مما يعزز قدرة الفئات الشابّة على التعرف على ثقافات الشعوب الأخرى والاستفادة منها. وأخيراً انتشار المؤسسات التعليمية التي تُعنى بتعليم اللّغات ومهارات الريادة والاتصال.
والشبابُ هُم رأس المال الفعلي لخطط التنمية في أي مجتمع إنساني ؛ نظراً لأنهم يشكلون الفئة العمرية الغالبة في فئاته، فضلاً عن سماتهم الشخصية والانفعالية والاجتماعية والصحية التي يمتازون بها عن غيرهم من فئات العمر.
وتسهم مؤسسات التربية في المجتمع وشبكات التواصل الاجتماعي بدور حيوي في تعريف الشباب بالوعي الثقافي؛ بقصد العلم بها والعمل بما جاء فيها، وعلى الرغم من هذه الجهود الهادفة إلا أنه يوجد من الشباب من لديه دافع ذاتي لاحترام مفردات ثقافته ويفعلونها في كل الظروف الحياتية، ومصدره الرقابة الذاتية، وما تتطلبه من ضمير أخلاقي، وإحساس بالمسؤولية، ويوجد منهم من لديه ميل لتجاهل ثقافة مجتمعه، وجرأة في ارتكاب الأخطاء التي يرفضها العقل السليم والفطرة السوية إما بدافع ذاتي أو بتأثير القرناء، ومصدر هذا الميل غياب الرقابة الذاتية، والتهاون في المحاسبة، وهو صنف موجود ويصعب التنبؤ بنسبة وجوده.
ولا يشترط توافر المؤهل العلمي العالي لتوافر الوعي الثقافي المسؤول عن احترام الشباب لتشريعات المجتمع وتعليماته، وإنما يتطلب التنشئة عليها والمحاسبة في حالة التقصير من البيت أولاً حتى يتربوا عليها ويألفونها، فالأسرة هي أساس بناء وتشكيل المجتمع فكرياً ومعرفياً ومسلكياً.
غريب بل مؤلم أن بعض الشباب يحترم قوانين مجتمع يدرس فيه، أو يعمل به، أو لأي غرض من الإقامة، وفي مجتمعه الأم الذي منحه الهوية والانتماء يتكاسل، ويكون سلوكه حافزاً للمحاكاة من قبل صغار العقول والأحلام.
ومن الأمثلة التي تعكس حضور الرقابة الذاتية لدى الشباب نتوقع نوعاً واحداً منهم عندما يكون أمام عدسات ساهر عند إشارة ما على طريق معين، وهو الالتزام والانضباط، ونتوقع وجود نوعين منهم عند غياب عدسات ساهر في طريق آخر، الأول ملتزم، والثاني متهاون وغير مكترث، ويعود السبب في الحالة الأخيرة إلى غياب هذه الرقابة. وأمثلة أخرى في الحدائق والمنتزهات العامة والطرقات والمهرجانات الثقافية وغيرها من الفعاليات، نتوقع وجود النوعين من الشباب، حيث يوجد من يتقيد بالتعليمات الضابطة للسلوك، وآخر مهمل وجريء في ارتكاب الخطأ.
وتُقام الفعاليات الثقافية على اختلافها في المجتمع لأهداف محددة منها الترفيهي ومنها الثقافي، وتفاعل بعض الشباب مع هذه الفعاليات بطريقة تقدح في العادات والأعراف الاجتماعية وسيلة لتفويت المتعة على الآخرين، وفرصة نفيسة لكل مغرض يشمت بجهود القائمين على هذه الفعاليات.
ومن قصر وقابل هذه الفعاليات بما لا يليق بموروث المجتمع الثقافي، فعليه بتنمية الرقابة الذاتية لديه، والتي تعني ببساطة «وسيلة فاعلة لتقويم النفس وتصحيح أخطائها» كما أنها تعني «إحساس الإنسان بأنه مكلَّف بأداء العمل ومؤتمنٌ عليه، من غير حاجة إلى مسؤول يذكِّره بمسؤوليته».
وعليه فلو أن كل شاب راقب الله تعالى فيما هو مؤتمن عليه؛ لتحسن السلوك، وبالتالي ارتفع مستوى الانضباط، وتلاشت المشكلات المعوقة لكل ما هو مفيد، والرقابة الذاتية تنطلق من قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ}، وقوله صلى الله عليه وسلم (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) أخرجه البخاري ومسلم.
فالنظم واللوائح الذي تعاقب على التجاوزات لا تستطيع وحدها من بناء مجتمع متوازن قائم على المساواة وتكافؤ الفرص وغيرها من المقوّمات التي تصبّ في خلق المجتمع الناجح.
وتتطلب تنمية الرقابة الذاتية وسائل، ومنها: خشية الله تعالى في السر كما العلن، حيث يشعر الفرد أنه محاسبٌ على كل تصرفاته من الله تعالى قبل ذاته والناس. قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} (الغاشية: 25 - 26).
ومن الوسائل الشعور بالمسؤولية، إذ يحس الفرد أنه مسؤول عن تصرفاته، ولا سيما التي يترتب عليها مفاسد، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (سورة الزلزلة 7-8).
ومن الوسائل الاهتمام بالمصلحة العامة، وحبّ نفع الآخرين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّّ) رواه مسلم.
والإنسان السعودي لديه خير كثير، ومحب لإخراجه؛ كون تربيته تربية إسلامية، فهو قادر على الأخذ بوسائل الرقابة الذاتية المذكورة في كل الظروف. وقد وقفتُ على حالات عديدة لطلاب في مختلف مراحل الدراسة داخل السعودية وخارجها ومن الجنسين ووجدت مكارم الأخلاق في أقوالهم وأفعالهم وحتى عند تخطيطهم لتصرفات لاحقة.
وفق الله الجميع وزادهم علماً ومكنهم من السلوك الواعي في كل الظروف.. آمين.