لبنى الخميس
التساؤل والتفكير.. وجهان لعملة واحدة.. نحن لا نتساءل دون أن نفكر.. وغالباً لا نفكر دون أن نتساءل.. لنفتح بأسئلتنا عوالم جديدة.. ونوافذ شاسعة باتجاه المجهول.. فجميعنا نملك أسئلة بداخلنا.. بعضها ملحّ وعاجل.. وبعضها مؤخر ومؤجل.. بعضها مسؤول ومحفزّ يحركنا باتجاه أهدافنا ومعنى استخلافنا على هذه الأرض مثل.. من أنا؟ لماذا أنا هنا؟ وما هو الإرث الذي أريد تركه؟ وبعضها انهزامي ومحتجّ.. لماذا أنا.. لماذا الآن؟
لكن، لماذا كل شيء يبدأ بعلامة استفهام، ولماذا التساؤل هو البذرة الأولى لكثير من الإنجازات العظيمة.. والفتوحات الكبرى.. والشركات الرائدة؟ لأن التساؤل فعل شجاع.. يذكرك بأنك لا تعرف كل شيء.. ويحثّك على أن تتصالح مع جهلك.. وتنطلق باتجاه المجهول.. فالتساؤل الجميل.. يعيد النظر في الافتراضات.. ويشكّك في ما قد تعتبره من المسلمات.. ويبحر في محيط لا نهائي من الاحتمالات.
التساؤل ليس حكراً على الأفراد بل هناك شركات نهضت مدفوعة بسطوة السؤال.. وأتقنت طرحه ماضية في رحلة البحث عن إجابة له.
بيكسار من أكثر الشركات التي أدركت قوة السؤال وقدرته على استثارة الخيال وتحفيز الإبداع.. فأسلوب سردها القصصي يعتمد على سؤال «ماذا لو؟» ماذا لو نطقت لعبة؟ وتحول فأر إلى شيف شهير؟ وكان هناك وحوش داخل خزائن الملابس؟ ومن ثم بناء القصة بعد التحليق مع مئات السينايوهات وآلاف الاحتمالات.
شركة نيتفلكس التي غزت العالم اليوم بأكثر من 125 مليون مشترك.. استثار فكرة تأسيسها سؤال طرحه ريد هاستينغ على نفسه، وهو يدفع غرامة تأخير تسليم أفلاماً استأجرها.. لماذا علي أن أدفع هذه الرسوم؟ ماذا لو أسست شركة تعمل كنادٍ صحي؟ تستطيع استخدام كافة خدماتها مع رسوم مسبقة.. فأسس نتفلكس وضم مكتبة ضخمة من الأفلام والمسلسلات.
أما ستيف جوبز فكان مدفوعاً بسؤال «What)s Next» أو ماذا بعد؟.. ماذا بعد الآي بود.. والآي فون.. والآي باد.. وهو من قال يوماً: إذا فعلت شيئاً وانتهى به المطاف ليكون رائعاً.. عليك أن تقوم بشيء أكثر عظمة.. لا تتوقف طويلاً.. بل اسأل نفسك: ماذا بعد؟
وبالرغم أننا نعيش في «العصر الذهبي للسؤال» كما يسميه الكاتب وارين بيرقر.. فالموارد مشرعة على مصراعيها.. ومحركات البحث مفتوحة على مدار الساعة.. لترحب بجميع أسئلتك باختلاف مجالاتها ومقاصدها ولغاتها.. إلا أن أسئلتنا باتت مكررة.. سطحية.. ومتوقعة.. لدرجة أن غوغل الذي يستقبل ما يقارب 3 ونصف مليار سؤال يومياً سيسبقك لإكمال السؤال قبل أن تخط الكلمة الثالثة.
في المقال القادم أحاول الإجابة عن لماذا خبت جذوة السؤال وانطفأت شعلة الفضول لدينا؟