د.عبد الرحمن الحبيب
اللقاء بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الروسي بوتين الأسبوع الماضي في هلسنكي نال ضجة إعلامية ضخمة وتاريخية، ليس فقط لأنها بين رئيسي أعظم قوتين نوويتين في العالم بل أيضاً لأسباب مثيرة قبل اللقاء وأثنائه وبعده..
قبل هلسنكي بأيام شارك ترامب قمة الناتو في أجواء مشحونة بالخلافات التي أثارها بمواقفه وتصريحاته في بروكسل؛ ووصفه الاتحاد الأوروبي بأنه «خصم»؛ فضلاً عما قام به حين أحرج رئيسة الوزراء البريطانية في مقابلة مع إحدى صحف التابلويد البريطانية، وسيره أمام الملكة على خلاف البروتوكول، مما أطلق عاصفة نارية بوسائل الإعلام الاجتماعية في بريطانيا.
وفي أمريكا أثار ترامب موجة غضب بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وتوبيخ من مؤسسة الأمن القومي، عندما رفض علناً نتائج وكالات استخباراته الخاصة، نافياً التورط الروسي في الانتخابات الأمريكية، رغم أنه عدل تصريحاته لاحقاً. وظهرت عناوين الصحف الأمريكية بأشد النعوت ضد ترامب وتصريحاته وتقاربه مع روسيا دون أن تقدم الأخيرة أي تنازل.. حيث يلومونه أنه لم يشر إلى قيام روسيا بغزو بلد بطريقة غير شرعية، وإسقاط طائرة مدنية فوق أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم، وإسقاط الطائرة الماليزية، والتدخل في سياسات الاتحاد الأوروبي والسياسات الأمريكية، والهجوم بمادة سامة..الخ، وفقاً للفورين بوليسي.. وتقول صحيفة ديلي تلغراف البريطانية: «لقد حصل بوتين على التقارب الذي كان يبحث عنه بشروطه، ولم تعد روسيا دولة منبوذة».
في هلسنكي وقبيل لقاء الزعيمين بدأ ترامب يومه كعادته بالتغريد على أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا «لم تكن أسوأ قط بسبب سنوات عديدة من الحماقة والغباء الأمريكيين، والآن، مطاردة الساحرة المنحطة!» وردت وزارة الخارجية الروسية بحبور على تويتر قائلة «نحن نتفق».
قبل اللقاء ظهرت مشكلة في تسميته هل هو قمة أم اجتماع، وكأن المشاكل المثارة قليلة! السفير الأمريكي في روسيا جون هانتسمان صرح لشبكة إن بي سي نيوز أن لقاء ترامب - بوتين «ليس قمة» بل إنه اجتماع، أو ربما مجرد «محادثة مفصلة»، لكن بعدها بوقت قصير قوض ترامب كلام سفيره بتغريدة بأنها «قمة».
على كل حال، بدأ وقت اللقاء باستعراض القوة: بوتين وصل متأخراً ساعة، فرجع ترامب، ووصل بدوره متأخراً. حسناً، ما هو جدول الأعمال الذي ناقشه الزعيمان؟ تصعب الإجابة، فاللقاء دون مستشارين أو مساعدين أو حتى مدوني ملاحظات، لا أحد يعرف ما الذي قاله الرئيسان في جلستهما المغلقة التي أبعد عنها أقرب المستشارين بمن فيهم جون كيلي رئيس موظفي البيت الأبيض. وكان ترامب قبل إغلاق الأبواب قال للصحفيين: «سنجري مناقشات بشأن كل شيء من التجارة إلى العسكرية إلى النووية»، لا يبدو ذلك جدول أعمال، لا سيما أن المتحدث باسم الكرملين قد ذكر أنه لا يوجد «جدول أعمال محدد».
فما الذي دار بين ترامب وبوتين؟ لا أحد يدري على وجه الدقة، لكن تقرير أكسيس أفاد بأن صفقة نهائية حول مستقبل سوريا ستكون من أهم بنود جدول أعمال ترامب وبوتين. وذكرت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأمريكي في الإدارة السابقة، أن الاجتماع المغلق بين الزعيمين كان «وصفة كارثية» لإيران، حسبما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية. وأضافت رايس، أن التكتم والسرية في الاجتماع جعل الدول الأوروبية لا تستبعد أن تكون المقايضة على «أوكرانيا مقابل إيران». وأضافت، أن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى موسكو، قبل قمة هلسنكي، وما سمعه روحاني خلالها من تطمينات، لا تعني الكثير بالنسبة للذين يعرفون أن موسكو لا تمتلك أوراقًا كافية، لإجبار إيران على مغادرة سوريا، الأمر الذي يعني، كما قالت الغارديان، أن بوتين باستطاعته أن يقايض ترامب بالسماح لواشنطن وتل أبيب خوض حرب ضد طهران، دون أن يكون الرئيس الروسي قد أخلّ بوعده لروحاني، كما ترى سوزان رايس.
وتقول صحيفة التايمز إن ترامب وبوتين بحثا عن المجالات التي يمكن فيها للطرفين العمل معاً. وتضيف أن خطورة التعامل مع بوتين تكمن في التفاصيل وتطبيق ما يتم الاتفاق عليه. وتذكر أن ترامب شجع بوتين في الأشهر الأخيرة على الاعتقاد بأن روسيا قادرة على استعادة مجدها، وربما سمح لها بالعودة إلى مجموعة الدول الثمانية. وترى أن الرئيس الأمريكي بهذا التصرف يكافئ الكرملين على سلوكه السيء. فإذا كان ترامب يعتبر التوافق مع روسيا أمراً إيجابياً، فهذا موقف لا يتعرض عليه أحد، لكن الدول الغربية قلقة من محاولة ترامب أداء دور في الاتفاقات الدولية «يمنح من خلاله الشرعية» للرئيس الروسي، وسياسته «الخارجية العدوانية» حسب صحيفة ديلي تلغراف.
الخلاصة أن كافة التقارير تؤكد أن الشرق الأوسط شكل جزءًا كبيرًا من محادثة الزعيمين، وربما ناقشا خطط المساعدات وأعمال الطوارئ في سوريا، ومسألة انسحاب إيران منها. أما أبرز المواضيع الغائبة فهي شبه جزيرة القرم، فبوتين يرفض قطعياً النقاش حولها «لأنها جزء لا يتجزأ من روسيا». لكن إذا كانت تلك المحادثات غير واضحة النتائج، فإن الرئيس الأمريكي قد دعا نظيره الروسي، لزيارة أمريكا في الخريف، وستظهر حينها نتائج أوضح..