سلطان بن محمد المالك
في رحلتي الأخيرة لبريطانيا استوقفني أمر لافت للانتباه في كثير من المطاعم والمقاهي؛ فقد لحظت أنهم لا يقدمون المزاز (المصاص) مع المشروبات، كما أنهم يعوضون من يعيد أي علب بلاستيكية مخصصة للعصائر بمبلغ نقدي. سألت وبحثت عن الأمر فوجدت أن هذا جزء من الحفاظ على البيئة بتقليل استخدام البلاستيك ورميه في النفايات، كما أنه يتم جمع جميع المواد البلاستيكية التي يتم رميها في أماكن مخصصة لها، ويعاد تدويرها.
وفي الأسبوع الماضي قرأت خبرًا صحفيًّا أن شركة ستاربكس الشهيرة قررت إلغاء استخدام (المزاز) في كل مشروباتها، والاستعاضة عنه بأغطية أكواب خاصة، تسمح للعملاء بالشرب دون الحاجة لاستخدام (المزاز). مثل هذه الإجراءات التي تقوم بها بعض الدول، وتطبقها كثير من الشركات، هي نتيجة مؤكده لأهمية الحفاظ على البيئة، وعدم تلويثها بمخلفات من منتجات البلاستيك التي يتم رميها؛ فيؤدي إلى إتلاف البيئة والمخلوقات النباتية والحيوانية. وفي علم التسويق يطلق عليها بالتسويق الأخضر، وهو مصطلح حديث، يقصد به التسويق النظيف أو التسويق البيئي. وسمي بذلك لأنه يعمل على توصيل المنتج النهائي للمستهلك بشكل منتج بيئي نظيف خالٍ من التلوث أو الخداع والغش. وهدفه أن يتحول التسويق من علم هادف للربح إلى علم يساعد الناس في اتخاذ قرارات شرائية قائمة على رسالة تسويقية هادفة صديقة للبيئة، وبعيدة عن الاستغلال.
ومع تزايد أهميته بدأت الشركات تتنافس في ممارسة التسويق الأخضر حرصًا منها على أن يكون لديها ميزة تنافسية عن غيرها بتطبيقه، وخصوصًا مع انتشار المنظمات التي تُعنى بالمستهلك والبيئة وحقوقهم. ومع هذا التنافس بين الشركات بدأنا نشاهد منتجات صديقة للبيئة، بعضها قد يكون صحيًّا أكثر، أو لا تبعث بمواد ضارة على البيئة. وتستخدم في سبيل تسويقها عناصر المزيج التسويقي المعروفة من خلال طرق نظيفة في التسويق، وتعامل من خلالها العملاء على أنهم المحرك الرئيس لها، وليس بهدف الربح، مع التركيز على حق الفرد في العيش في بيئة نظيفة وآمنة، فضلاً عن حماية ذلك الفرد من المنتجات الضارة والممارسات السيئة في التسعير والترويج والتوزيع. التسويق الأخضر لا يقتصر على بيع المنتجات الربحية بل ظهرت العديد من المنظمات الطبية الخضراء التي تهتم بتقديم المنتجات من سلع وخدمات تتصف بالخضراء حفاظًا على صحة وسلامة المرضى، وأيضًا حفاظًا على البيئة الخارجية المحيطة بالمستشفى والمريض.
وفي تصوري إنه مع زيادة وعي الناس بالمنتجات الخضراء صديقة البيئة سوف يزداد الاهتمام والعلم بالتسويق الأخضر، وهو ما نلحظه في بعض الدول المتقدمة التي تبنت هذا المفهوم، ونجحت به؛ فظهر لديهم السوق الأخضر، والبائع الأخضر، ودليل المشتري الأخضر.. وكلها أسماء حديثة، أتت مع المفهوم الجيد للتسويق الأخضر.
إن تنامي وتزايد الوعي البيئي في الوقت الحاضر يتطلب قيام المنظمات في مختلف أنحاء العالم بتبني مسؤوليتها الاجتماعية من خلال سَن العديد من التشريعات القانونية الرامية إلى حماية البيئة، والقيام بحملات التوعية، وتبني سياسات إنتاجية وتسويقية، تسهم في خدمة التوجه البيئي المعاصر القائم على التسويق الأخضر.