م. خالد إبراهيم الحجي
إن الارتباط وثيق جداً بين الهندسة البيئية والهندسة المدنية، حيث يهتم كلا المجالين بتحليل ومراقبة أنظمة السلامة الخاصة بمشاريع البناء. وتختص الهندسة البيئية بحماية الناس من الآثار البيئية الضارة، مثل: التلوّث، وتحسين الجودة البيئية. ويعمل المهندسون البيئيون على مكافحة تلوّث المياه والهواء، والحماية من الإشعاع، وإعادة تدوير المواد المستعملة، والتخلص من النفايات، والنظافة الصناعية، والاستدامة البيئية والصحة العامة.
ومسؤولية الهندسة البيئية في الوقت الحاضر أصبحت كبيرة جداً لتحسين حياة الناس في جميع دول العالم الذي أصبح يكتظ بالسكان الذين تجاوز عددهم اليوم (7) مليارات نسمة، مع اختلافات متفاوتة في استخداماتهم لمقومات الحياة الأساسية التي زادت تعقيداً أكثر من الماضي بسبب التقدم العلمي والتطور التكنولوجي في العصر الحديث. وقد استطاعت الهندسة المدنية أن تحقق إنجازات هندسية رائعة خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فلعبت دوراً حاسماً في تحسين ظروف البشرية على أرض الواقع بتطوير مصادر الماء، وإنشاء شبكات المياه والصرف الصحي وإدارتها، وإنشاء شبكات الطرق والمواصلات فمكنت سكان الأرض من التمدد العمراني والنمو الديموغرافي (زيادة السكان نتيجة الهجرة والزيادة الطبيعية). وما زال المهندسون يتعاملون مع البيئة ونظم الطبيعة من منطلق السيطرة عليها ونموذج التحكم بها الذي تسبب بدون قصد منهم في حدوث المشكلات البيئية الراهنة، والإضرار بالحياة الفطرية، والإخلال بالنظام البيئي المتوازن. ثم انتشرت وسائل التكنولوجيا الحديثة التي قرَّبت المسافات البعيدة وتجاوزت حواجز المكان واختصرت الوقت بالنسبة للزمان؛ فأصبح العالم كالقرية الصغيرة، وزاد التواصل والترابط بين جميع سكان الأرض، ولكن التقدّم العلمي والتطور التكنولوجي خلّفا سلبيات كثيرة وتسببا في أضرار كبيرة من أشدها إهمال الناس حماية البيئة، وعدم المحافظة على الحياة الفطرية السليمة، وإغفالهم التعاون مع نظم الطبيعة؛ فزاد التلوث في جميع جوانب البيئة براً وبحراً وجواً بسبب كثرة استخدامات الناس للمواد الاستهلاكية وزيادتها أكثر من الماضي.
وقد أثبتت الدراسات العملية وأكد الواقع العملي أن التغيُّرات المناخية والبيئية التي تحدث على الأرض هي ضريبة التقدّم العلمي والتطور التكنولوجي، وأن عدد سكان العالم سيزيد خلال العقدين القادمين بمقدار (2) ملياري نسمة تقريباً، وأن (95) في المئة من هذه الزيادة في دول العالم الثالث النامية الذي يعيش فيه حالياً ما بين (835) مليوناً إلى (2) ملياري نسمة يسكنون في بيوت الصفيح التي تشكل مدن العشوائيات، وهناك دراسات عديدة تفيد أن استمرار الزيادة السكانية والتوسع المدني العمراني يساهمان بنسبة (25) في المئة -حسب تقديرات الأمم المتحدة- في زيادة المشكلات الاقتصادية للسكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، ويؤثّران بشكل نسبي ومتفاوت على مستقبل الاستقرار والازدهار في كثير من دول العالم. لذلك أصبحت الحاجة شديدة والضرورة ملحة إلى عقلية هندسية تضع في أهم اعتباراتها وأولوياتها المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تواجهها جميع دول العالم في المستقبل القريب أو البعيد، وأن تقوم العقلية الهندسية على الصداقة مع البيئة النظيفة، والتعاون مع نظم الطبيعة والحياة الفطرية السليمة، وأن تتبنى أفكاراً حديثة، وحلولاً متطورة تساهم بشكل فعَّال في بناء عالم أكثر استدامةً واستقراراً. والهندسة البيئية تقع على عاتقها مسؤولية الوساطة بين الإنسان وبين العالم الفطري ونظم الطبيعة؛ بمعنى أنها تجمع بين تلبية احتياجات النمو السكاني والتوسع العمراني على أرض الواقع وبين حماية النظام البيئي والحياة الفطرية من الآثار السلبية الناتجة عن التقدّم العلمي والتطور التكنولوجي، وأن تقوم بدورها الريادي مع فروع الهندسة الأخرى في عملية البناء والتطوير المستدام.
الخلاصة:
إن استدامة التوازن في النظام البيئي أمر حيوي لمستقبلنا، والتطوير المستدام مستحيل بدون المساهمة الفعَّالة من مهنة الهندسة البيئية.