ياسر صالح البهيجان
يتجوّل الطبيب الأمريكي جيم أوكونيل كل يوم جمعة في شوارع وطرقات مدينة بوسطن وتحت جسورها وداخل أنفاقها بحثًا عن مشردين لم تسعفهم ظروف الحياة لتلقي الرعاية الطبية اللازمة. يقدم الدعم ويتكفل بمصارف العلاج. ومع مرور الوقت كوّن فريقًا طبيًا متكاملاً يضم متخصصين في مختلف المجالات الطبية للتأكد من القدرة على تشخيص كل مريض مهما كانت حالته.
كان الدكتور جيم يردد «الطبيب الإنسان هو من يبحث عمن تقطعت بهم السبل لينتشلهم من ألم المرض ويرسم على محياهم معالم الامتنان». ولن أكون متشائمًا إن قلتُ بأن أمثاله يكاد ينعدمون في الوطن العربي بعد أن تخلى معظم الأطباء عن البُعد الإنساني للمهنة، وتركّز اهتمامهم منذ الصغر على العائد المالي المرتفع الذي يتقاضاه الطبيب من مرضاه.
حقّ مشروع للطبيب أن يبحث عن المرتب المجزي في ظل تزايد تكاليف الحياة، ولا مشاحة في ذلك، شريطة أن يؤمن بأن قيمته الحقيقية تكمن في كونه قادرًا -بعد إذن الله- على إزالة المعاناة عن البشر، وهي قيمة جوهريّة لا يمكن أن تُقاس بالمال وإن عظُم.
ولعله من المبكّر المطالبة بـ»جيم أوكونيل» بسحنة عربيّة، ولكن على أقل تقدير نتطلّع لشيء من التواضع والاهتمام بالبُعد الإنساني لدى الأطباء المتسمرين داخل عياداتهم وتحت أجهزة التكييف والمتنعمين برفقة الممرضين والمساعدين، إذ ليس من الإنسانية ازدراء المرضى ومعاملتهم بفوقية والتململ العلني من شكواهم أو سردهم لمعاناتهم.
التعامل الإنساني مع المرضى جزء من العلاج، وأجزم بأن هذه المقولة سبق أن تعلمها الأطباء عندما كانوا على مقاعد الدراسة، ولكن معظمهم يتناساها عندما يتربّع على كرسيّ عيادته، وقد يتعمّد التخلي عنها برمتها عندما يعيش تحت الضغط اليومي وتكدّس المرضى على قوائم الانتظار، ويبدأ بتفريغ شحناته السلبيّة على مرضاه بطريقة إرادية أو لا إرادية.
التعميم لغة الجهلاء بالتأكيد، ومن باب الإنصاف ثمة أطباء في مجتمعاتنا غاية في الإنسانيّة والرقي، إلا أن وجودهم لا يعفينا من تعليق الجرس والتأكيد على ضرورة الاهتمام بالبُعد الإنساني سواءً من حيث التأهيل داخل الكليّات والمعاهد الصحيّة أو من ناحية التقييم والمتابعة لعمل الأطباء بعد خوضهم غمار التجربة الحيّة في المستشفيات والمراكز الطبيّة، وما نأمله حقًا أن تتحوّل تجربة المرضى وتقييمهم للأطباء إلى جزء من استحقاق الطبيب للترقّي في مجال عمله، وألاّ يُكتفى بالتحصيل العلمي، ذلك إن أردنا أن نحافظ على إنسانية مهنة الطب وبُعدها الأخلاقي.