د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عبثاً أحاولُ أن ألقي أوراق التعليم ومحابره من يدي!! فالوقت والحال جذباني للحديث وتقديم فكرة عن فلسفة التدريب وما يُحدثُه من تحوّل في أدوار المعلمين. وواقع الطلاب؛ وكان من بواعثي ما أطلقته وزارة التعليم في برنامج التدريب الصيفي للمعلمين والمعلمات؛ ولما أن التدريب هو العنصر ذو العلائق المتينة مع المؤسسات التعليمية ومنسوبيها؛ فإننا نؤكد أيضاً أن التدريب لا بد أن يكون جزءًا من الصيغة المؤسسية؛ فهو من وشائج التعليم ومفاصله، كما أن الإنتاجية الكلية للتدريب هي أفضل مقياس موجز لوتيرة التغيير والتحول المدرسي، إضافة إلى أنها مؤشر صادق لمعدلات التغيير في الهيكل المهني العام للمؤسسة التعليمية، ولذلك فإنه من المهم أن يعي القائمون على تصميم التدريب كيف تسوقُ الثقافة المعرفية عمليات التطوير ومن ثم إحداث التأثير؛ وكيف يمكن أن تكون إدارة المعرفة أكثر منهجية وأن يدركوا أيضاً أن التبدلات الإيجابية في السلوك التعليمي تبدأ بفهم فلسفة التدريب واستيعاب معايير تشكيل المنتج التدريبي؛ إضافة إلى أن التدريب من أعظم مصادر قوة التعليم إذا استطاعت الوزارة مقايضة المعلمين بالحرية المطلقة بعد الاستزراع؛ ولذلك فإنه يمكن للسياسات التدريبية المصممة بشكل متميز أن تغيّر ما هو بديهي وواضح؛ وما هو دون ذلك أيضاً... وصحيح أن اكتساب مهارات التدريب يقتضي اكتساب المعارف والعلوم لكن المعرفة قد لا تصنع منهم مدربين أكفاء، فالمعرفة تتحدث والتدريب تطبيق واكتشاف للمهارات الفردية، ودائمًا ما يواجه القائمون على التعليم صعوبة لإيجاد الوقت والحيّز الكافيين لبناء علاقات هادفة بين حاجة المعلمين وواقع المتعلمين، وذلك الحس يتطلب مساعدة من الآخرين وهم حتمًا المتربعون على قنوات التخطيط والسياسات في المؤسسات التعليمية، ومن الفرص التي نأمل أن تشملها برامج تدريب المعلمين «تحسين مستويات الوعي بقدرات المتعلمين ومهارات بناء العلاقات معهم، وتحسين مقدرة المعلمين على دمج معارفهم وخبراتهم في سياسات التعامل مع متطلبات المتعلمين، ورفع كفاء المعلمين في تكوين شبكة من المعارف والقدرات والمهارات التدريسية، وأن تكون هي المرجع الذاتي للمعلمين، وبذلك تنجح الوزارة في تحرير المعلمين من قيود المرجعيات التي تنسف العدة والعتاد الذي بُذل في برامج التدريب، فالمعلم الحر مكين أمين! كما يُوَفر التدريب فرصًا عليا لتشكيل المجموعات التعليمية التي تمكن المعمين من سرد تجاربهم الشخصية وبثها؛ وتكون هذه المجموعات التعليمية بيئة مثالية للتمرس على الانفتاح الفكري، ومن أولويات الفرص امتلاك مفاتيح التحكم في المخرجات التعليمية وهي أولوية مهنية يجب إتقانها من قبل المعلمين، ومن البرامج الأكثر عمقاً وصلة بواقع التعليم بناء وتحليل مؤشرات كفاءة التدريس وصياغة المبادرات التدريسية، وإستراتيجيات الأداء المدرسي الفعّال، والتعليم المبني على المشروعات وغير ذلك مما يستلزمه الوقت والحاجة، فالبرامج التدريبية ليست الأقدم معرفة بل الأعمق أثراً والأكثر اتساقاً مع أوار العصر ومتطلباته، وأن يُستجمع حين صناعة التدريب رؤى أكثر عمقاً، فالاختلاف والاختيار يمكن من خلاله توفير كثير من الجهود، كما يلزم التركيز على الأوعية الحديثة للتعليم والتعلم، ولذلك فإن استيعاب فلسفة التدريب من الاحتواء التعليمي الودود للمعلمين والجذب اللين لهم، كما أنه من الأهمية استيعاب مصممي التدريب للقرارات المنظمة للشأن التعليمي، وأن يتم تسخير الاحتياجات الراهنة والواقعية والمستجدة. وأرى أهمية الالتفات إلى توصيات ونواتج المؤتمرات والمنتديات والمشاغل التربوية التي تدور في أفلاك التعليم ومخرجاته وتحويلها إلى حقائب تدريبية متخصصة تخدم منهجية التدريب وأساليبه.
وختاماً لعل وزارة التعليم في حراكها المؤمل عليه حديثاً تجعل تصميم التدريب من أولوياتها وتخصص له مقاعد في الإيفاد والابتعاث، لأن المعرفة الأكاديمية البحثية تؤطر للبرامج التدريبية وتحميها من الاجتهادات الموهنة والفقد في المخرج والنتيجة.
بوح الختام: «لا أسعى لإثبات الحقيقة ولكن الحقيقة جاءتني لأثْبِتَها».