د. محمد عبدالله العوين
العالم كله يطبخ من الحر خلال هذا الشهر؛ لا نستطيع أن نستثني إلا مناطق قليلة محدودة من العالم، ولو نزل المطر يوما أو أياما خفت الحرارة قليلا؛ ولكنها تعود سريعا بعد توقف المطر كما يحدث في لندن أو باريس مثلا!
تتراوح درجات الحرارة في أوروبا هذه الأيام بين 30- 35 وهي درجات مرتفعة جدا بالنسبة لهم، ربما يحتملون ما تحت الثلاثين، لكن بعضهم قد يصاب بضربات شمس حين تتصاعد الحرارة فتصل إلى منتصف الثلاثينات؛ لأن لهيب الشمس في كثير من مدن أوروبا ينزل بشكل عمودي، فتغدو الشمس وكأنها قريبة من الأرض على خلاف شمسنا وأرضنا فكأن بينهما مسافات شاسعة في الارتفاع.
قتل ارتفاع درجة الحرارة في كندا أكثر من عشرين شخصا حين بلغت 35 درجة. أما لدينا فتصل إلى 55 درجة ونقضي مصالحنا ونذهب ونجيء مع كثير من التأفف فقط.
ليس من شك أن من يطيل البقاء تحت لهيب 55 درجة أو أكثر بقليل ربما يتعرض لضربة شمس أو إغماء؛ ولذلك أصدرت وزارة العمل تعميما صارما بمنع العمل تحت الشمس من 12- 4 عصرا، وفرضت عقوبات على من يشغل العمال خلال هذه الساعات.
مساكين هم العمال الباحثون عن رزقهم حين يعملون تحت لهيب 50 درجة وما فوقها، العتب ليس عليهم وإنما على من يشغلهم ويرى احتراقهم تحت السياط اللاهبة تتنزل عليهم كالحمم؛ فتغلي الأرض من تحتهم ويشتعل الهواء من فوقهم وكأنهم في تنور، ولا يشفق عليهم.
سألني أحد الأصدقاء من الموسرين بتأفف شديد في ظهيرة يوم تشوي الأرض قبل الإنسان قال: يا صديقي أريد مكانا باردا في العالم، أي مكان مهما بعد يمكن أن أستمتع فيه أنا وعائلتي بجو لطيف وشيء من المطر ونسيم عليل يعيد إلي طاقتي التي أكاد أفتقدها هذه الأيام؟
قلت له : أيها الصديق المدلل لا تذهب إلى العواصم الأوربية كعادتك في كل صيف؛ فهي حارة أيضا حرارة تختلف عن حرارة أجوائنا، فهناك الشمس تلسع لسعا؛ وتشوي شويا؛ لأنها عمودية تصب حرارتها على الرأس صبا، وهنا في ديارنا تبخ حرارتها بخاً بتوزيع عادل على الإنسان والمكان.
لقد كنت في باريس في أيام صيف لاهبة كهذه الأيام وكان الدراجون الفرنسيون يخترقون الشانزليزيه في الظهيرة، فأحببت مشاهدة ذلك الحدث الرياضي الجميل؛ ولكنني لم أستطع مواصلة الوقوف على الرصيف مع الواقفين إلا دقائق معدودة كنت أضع على رأسي خلالها جريدة في يدي، ثم لم أحتمل فهربت إلى الفندق متسللا أبحث عن ظلال المباني.
اذهب إن أردت الهدوء والأجواء اللطيفة إلى مرتفعات جبال الألب في فرنسا أو سويسرا أو النمسا أو إيطاليا فهناك ستجد أنك دخلت مبكرا إلى فصل الشتاء، أما إن أردت التسكع على الأرصفة والجلوس الطويل في المقاهي فواصل عادتك السنوية التي تذرع فيها شارع إكسفورد أو البيكاديلي أو إجوار رود في لندن، أو الشانزليزيه في باريس!