ذكر السماع عن العرب وأورد النص في السماع ثم أورد الكلام عن الاحتجاج بالمروي، فهما أمران عنده يؤديان للاحتجاج لكن التعامل معهما مختلف، فلِمَ صار الحديث عنهما واحدًا عند كثير من الباحثين؟؟ ولقد دهشت حينما قال دكتور عبد العزيز: «ولا أعلم لماذا حرص الدكتور على الفصل بين الاحتجاج بالنص وسماعه؟» وهذا أمر مدهش ولعل عبارتي فيما كتبت قد استغلقت وعز فهمها. وللتوضيح فإني لم أتكلم عن احتجاج بنص وسماع نص، بل إن ما تكلمت عنه وما لم أوافق الباحثين في هذه المسألة عليه متعلق بالحديث عن أمرين مختلفين يربطهما غيري في رسن ويجمعهما في قرن وبينهما بعد المشرق عن المغرب، ألا وهما منهج النحاة في التعامل مع المأخوذ عن الثقات رواية ومنهج النحاة في المأخوذ سماعًا ومشافهة، والفارابي يتكلم عن منهج اللغويين في السماع والأخذ المباشر لا عن الاحتجاج بالمروي والدكتور عبد العزيز ممن يعدهما شيئًا واحدًا، ولذا استظهر ما في كتاب سيبويه من احتجاج بالمروي وراح بما استظهر يوهم الفارابي فيما قرر عن منهجهم في السماع والمشافهة ويستدرك عليه!!!!، وقد ترتب على جمع الأمرين في قرن واحد قول الدكتور عبد العزيز: «إن الأمر الذي قيد به التفسير وهو قصره على مدة زمنية فيه ضعف», وهو يشير إلى قول الفارابي: من سنة تسعين إلى سنة مائتين» فهل يتصور سماع النحاة قبل أن يوجدوا؟ وهل يتصور أن هذا التقييد في هذه الفترة لو قصد به الاحتجاج سيخفى على أحد حتى لا يكتشف إلا ببحث واستدلال؟ إن عبارة الفارابي واضحة، فهي حديث عن المشافهة والأخذ المباشر وليست بحديث عن الاحتجاج بالمروي، والنحاة لهم منهجان منهج في التعامل مع المروي عن الثقات ولم يستثنوا منه الحواضر في جاهلية ولا إسلام، ومنهج في المشافهة والسماع المباشر قصروه على الحواضر، وقول الدكتور عبد العزيز عن عبارة الفارابي: «إن فيها غموضًا واستغلاقًا»، وما ختم به مقاله عن كتاب الفارابي وتوهينه من شأنه كلام مرسل لا أوافقه عليه، لأن في الكتاب مما يهتم به النحاة في جانب التعليل خصوصًا ما يستدعي الاحتفال به لا الإهمال، كما أن المتخصص في علم اللغة بحاجة إلى الكتاب، ولو لم يكن في الكتاب إلا باب «الصنائع» الذي تكلم فيه عن منهج تقعيد اللغات لكان جديرًا بالاهتمام، ورجل جالس ابن السراج والمبرد والزجاج ودارسهم وأخذ عنهم وخلف لنا هذا السفر لا يقبل في حقه ما ختم به ذلك المقال، وعدم الاستدراك في تلك المقلة عليه عندما نقلها النحاة مثل أبي حيان والسيوطي دليل على احترام وموافقة، وأما دعوة المعقب للباحثين بقوله «كان الأحرى بالباحثين عدم التسليم بما فيها أو التعويل عليها» فليته قدم ما يمكن أن يسترشد به، وليته كان معه في مضمار، لكنه في واد والفارابي في واد، واحد يتكلم عن المسموع مشافهة، وآخر يتكلم عن المنقول عن الفصحاء رواية، فالشقة واسعة، وتناء ليس معه تناد.
** **
- د.سعود آل حسين