ولاء حواري
يقول المثل الإفريقي -والنيجيري تحديدا- والمستخدم في جميع اللغات الإفريقية بتصرّف « لتنشئة طفل نحتاج قرية كاملة»، في إشارة واقعية إلى أبعاد وعمق مسؤولية تربية طفل وإنشائه وأنها تقع على عاتق مجتمع بأكمله من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الأكبر إلى الجيران والأصدقاء. الكل جزء من أجزاء الأحجية التي تُكمّل صورة هذا الطفل وتبني كينونته وكيانه.
هذا الطفل - حسب تقاليد القبيلة في إفريقيا - يجب أن يكون تحت مجهر الأخلاقيات العامة والمتابعة المجتمعية لينشأ عاملاً بناء في مجتمعه وبيئته.
اليوم تقف بعض المجتمعات وأيضاً بعض الأسر موقف المتفرج السلبي من نشأة الأطفال، تترك قيادهم لعوامل لا تنتمي للبيئة ولا للمجتمع، عوامل تبدأ في المنزل - وهذه لن نتطرق إليها فقد قتلناها بحثا دون حلول - وهي العمالة المنزلية، إلى الرفاق وأخيرا كل من يتواصل معهم من خلال مواقع التواصل أو الألعاب الإلكترونية .
وهذه العوامل الأخيرة أصبحت الأهم والأخطر والأكثر تأثيرا، ففي حين أننا نردد مرارا وتكرارا أهمية متابعة ما يقع تحت يد الطفل، وبالتالي ما يقع الطفل تحت طائلة تأثيره نُغضي الطرف عن المتابعة الدقيقة وقبل هذا وذاك التوعية ثم التوعية ثم التوعية.
حينما ظهرت لعبة الحوت الأزرق في روسيا وأدت إلى عدد من حالات الانتحار بين أطفال ومراهقين، سارعت الشرطة في بريطانيا إلى إرسال منشورات للمدارس لتنبيه الأهل إلى خطورة هذه اللعبة وكيفية التصدي لها . وركزت منشورات التنبيه والتوعية على ضرورة تعزيز الثقة بالنفس عند الطفل وتنبيهه، ودفعه لأن يقول «لا» ولا يقع تحت سطوة أحد يسيء إليه، تحفيزه لأن يرفض الاستسلام لضغوطات من أحد حتى يكسب مركزا بين أقرانه ويكون «مقبولا»، دفعه للتواصل مع أسرته ومن حوله واستشارتهم واللجوء إليهم في حال تعرض لأي نوع من التنمر. كما وضعت الشرطة أرقاماً للأطفال للتواصل في حال شعورهم بأي خطر من تنمر من أقرانهم أو أفراد لهم سلطة في حياتهم. ورغم أنه لم تسجل حالات انتحار في بريطانيا حتى الآن، إلا أن الشرطة بالتعاون مع المدارس تعمل بشكل سريع لتنبيه الأهل من هذه اللعبة وغيرها، ومن ضرورة التحدث إلى أطفالهم وفتح قنوات تواصل صريحة ومشجعة.
لعبة الحوت الأزرق عبارة عن لعبة تحدي تُدخل الطفل في دوامة من محاولة إثبات الذات عبر تنفيذه عدد من الطلبات التي أقل ما يقال عنها غريب وشاذ، فخلال مدة 50 يوما يطلب مشرفو اللعبة من الطفل اتباع تعليماتهم وتنفيذ طلبات مثل إيذاء النفس والتسبب بجروح وألم شخصي، ومشاهدة أفلام مرعبة والاستيقاظ من النوم في أوقات غير طبيعية .. ويتزايد التصعيد في التحدي حتى يصل الطفل إلى الاستسلام التام وفي اليوم الخمسين يُطلب منه أن يُنهي حياته.
وفي حين يزعم بعض الخبراء في التقنية أن اللعبة والتي ظهرت منذ 2015، يصعب الوصول إليها حيث إنها غير متوافرة بسهولة، بل تتجلى لمن يبحث عنها بإصرار، وتستخدم بعض منصات التواصل مثل الفيس بوك وتويتر وانستقرام، يقوم موقع انستقرام بتتبع بحث الطفل وتنبيهه لخطورة اللعبة وتبعاتها في حال بين أنه يبحث عن «الحوت الأزرق».
«الحوت الأزرق» وقبله «بوكيمون قو» وقبلها «لايف أز كرايم» وراءها ما يشبه العصابات من المنظِمين التي تتسلل إلى حياة الأطفال والمراهقين والذين يعانون من شيء من عدم الثقة أو التفكك الأسري أو حتى تجاهل الأهل وعدم متابعتهم لهم، وهنا بيت قصيدنا.
وبعيدا عن التنظير، فدور الأهل يأتي بالدرجة الأولى، ولكن بعد توعية الأهل أنفسهم من خلال جلسات نقاش في المدارس والمنتديات ومواقع التواصل، ثم المدرسة وبعدها المجتمع ككل للتصدي لها ولغيرها من ظواهر قبل أن تبدأ لتعيث فساداً في حياة أبنائنا وقبل أن ندفع نحن -كمجتمع- ثمنا باهظا.