د. عبدالحق عزوزي
إن تنمية المهارات والعلم والبحث والتنمية والابتكار هي المفتاح الذي يسمح لدولنا العربية، بفرص ربح معركة التنافسية، وبالتالي معركة العولمة. ويتطلب التحدي من هذا النوع اعتماد نظام تعليمي قوي وذي جودة، كما يتطلب رؤية واضحة في مجال التنمية التكنولوجية، وهذا هو الأساس لتحقيق الرفع من مستوى التنمية في الوطن العربي.
لقد نجحت في السنوات الأخيرة الهند والعديد من المدن والجامعات الآسيوية في تطوير البحث العلمي والتكنولوجي، حيث مكنتها من تحقيق المستحيل وبموارد قليلة جدا مثل اليابان اللهم ما تعلق بالموارد البشرية وهو ما نملكه نحن أيضا...
ولا غرو أنه لا يعتمد أداء جامعة ما وإنتاجية بحثها على جذورها وتطورها التاريخي فقط، وإنما أيضا على جغرافية العلوم في مرحلة محددة. بعبارة أخرى، يتم إنتاج المعارف العلمية في أماكن معينة وفي ظروف تاريخية خاصة، علما أن البعد التاريخي - الجغرافي محدد أساسي من أجل الفهم العميق للجامعات باعتبارها مكانا لإنتاج المعارف العلمية.
ويرى دفيد ليفينغستون، عالم الجغرافيا بجامعة كوين ببلفاست، أن جغرافية الممارسات العلمية داخل شبكة حضرية دولية، مع تحرك علمائها وتداول المعارف، هي التي تحدد ازدهار العلم الحديث. وهكذا، ففي القرن السادس عشر، تمركز العلم الأوروبي في بادو بإيطاليا، لتنضم إلى هذه الشبكة كل من لندن ولييدن وباريس وجينا في القرن السابع عشر، ثم لندن ولييدن وباريس وبرلين في القرن الثامن عشر. أما القرن التاسع عشر، فسيسجل نقطة تحول قاطعة حيث ستخطف برلين مشعل العلم الحديث وتحدد المسار المدهش للممارسة العلمية الأوروبية.
أما القرن الماضي، فسيعرف انتقال مركز جاذبية إنتاج المعرفة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع الحفاظ على روابطه مع أوروبا، وسيدخل فاعل جديد إلى هذه الشبكة الدولية الحضرية ويتعلق الأمر باليابان ما بعد عصر ميجي.
وتظهر دراسة المشهد العلمي فيما بين 1996 و2008 اضطرابا لا مثيل له في تصنيف أحسن المدن في نشر العلم في العالم. وهكذا، فقد حسنت كل من نانجين وشنغاي وساو باولو من رتبتها بنسبة 20، وسيول وطايبي بنسبة 10 إلى 20 رتبة، هونغ كونغ وبيجين بنسبة 5 إلى 10 رتبة، في حين تراجعت أو ظلت في مكانها كل من لندن وباريس ونيويورك وبسطن وتورونتو وبرلين وموسكو.
وعندما نفهم جيدا هذا السياق التاريخي- الجغرافي، فيمكن لنا جميعا وبالأخص قادة الجامعات طرح السؤال الأساسي الذي يواجه كل جامعة تطمح للعالمية، ويتعلق الأمر بكيفية ضمان حضور فعال في الدائرة العالمية للمعارف، حيث دون هذا الحضور ستظل المعارف المنتجة محلية، وطنية أو جهوية، وستظل، بالتأكيد، هذه المعارف مفيدة في المكان الذي أنتجت فيه لكن نشرها سيظل محدودا.
وأتفق هنا تمام الاتفاق مع ريتي ك، شهيم عندما يرى أن تطور الجامعة يكمن في استجابتها الفعالة ودون تخوف من التحديات التي تطرحها كل من: العولمة والتدويل وتكتل التعليم العالي وتقدم تقنيات المعلومات والاتصال وتسويق المعرفة.
فعلى جامعة القرن الواحد والعشرين أن تجيد كيف تعرف نفسها في الخارج، وكيف تقيم شراكات مع عالم الأعمال و الجامعات الأجنبية، وعليها أيضاً أن تسهل حركية الأساتذة والباحثين والطلاب، كما يجب على الثقافة التنظيمية أن تعكس هذا التدويل وأن يكون قابلا للتطبيق في جميع قطاعات الجامعة (الموارد البشرية، المناهج إلخ). فالتعليم العالي، يشمل هذا البعد الهام الذي يجب أخذه بعين الاعتبار. فهذا النوع من التعاون يدعو بالضرورة إلى إقامة شبكة جهوية تضمن الجودة والارتكاز على أنظمة الاعتماد والبحث والإبداع إضافة إلى الحكامة. فالتعاون يجب أن يكون متينا في كل المنطقة، سواء أكان التعاون وطنيا، جهويا أو دوليا. غير أن هذا التحدي سيكون كبيرا بالنسبة للجامعات الشابة التي تعرفها بلداننا، وبالإضافة إلى التحديات الأكاديمية الخالصة والمرتبطة بالنماذج التاريخية للجامعات التي ذكرت أعلاه، ينضاف التعقيد الكبير للبيئة المجتمعية مثل ما هو الشأن بالنسبة لأوروبا وباقي دول البحر الأبيض المتوسط.
إن الدول الغربية ما تطورت اقتصاداتها وصناعاتها ومؤسساتها إلا بتطور جامعاتها والبحث العلمي القائم فيها، وهذا التطور في حركية دائمة ويطعم بأدوات جديدة، ويجب أن يتكيف معها يوميا الأستاذ والباحث والطالب وقادة الجامعات وأصحاب القرار الذين يضعون الميزانيات والسياسات العمومية، هنا يمكن سر نجاح جامعة القرن الواحد والعشرين.