ياسر صالح البهيجان
عندما لا يجد الإنسان سبيلاً للتعبير عن رأيه المخالف في أي مجلس من المجالس خشية إسكاته أو تبدل علاقاته من الصداقة إلى العداوة ومن الموالاة إلى المعاداة أو فقدانه ود أقرب الناس إليه سيضطر لارتداء قناع آخر وتقمص دور شخصية لا تشبهه أبداً، وسيتبنى آراءً علنية يمقتها في السر حتى تستحيل هويته إلى فسيفساء من هويات يجهل من هي وقد يتحول جهله إلى سؤال للذات: من أنا؟.
تظهر الأقنعة المزيفة عندما يسود الرأي الواحد في المجتمع، أو إن شئتم في البيئة المحيطة بالفرد، وسط رغبة منه في البقاء ضمن حيز الجماعة التي يضمر كل إنسان فيها عكس ما يظهر، إلى أن يستشري نوع من النفاق الاجتماعي، حتى ترى التناقض بوصفه سمة بارزة ودالة على حالة المجتمعات المأزومة التي لا تمنح الفرد حق التعبير عن رأيه دون كيل الشتائم له أو ازدرائه وأحياناً تفسيقه فضلاً عن تكفيره.
النفاق الاجتماعي هو الآخر يتخفى تحت مسميات مغايرة كالمجاملة والدبلوماسية لكي يبرر الإنسان عيشه ضمن شخصيات متعددة تكذب إحداها الأخرى، وبحثًا عن حالة توازن مفقودة كرمز سريالي أو طلسم سحري عسير على الفهم والإدراك والتمثل.
لم يعد الإنسان يُعرف من أصغريه قلبه ولسانه، فالقلب مستتر يتطلب شقه للكشف عن مكنونه، واللسان مراوغ بحسب الظروف الاجتماعية ومدى تماشيه مع الرأي الأوحد؛ لذا تحول الإنسان إلى كائن مجهول كرسمة وجه دون ملامح، أو كزجاجة عطر بلا رائحة.
يقول المثل الماليزي «بعد أن ندير ظهورنا يختلف الكلام عنا» والحق أنه عندما ندير ظهورنا يختلف الأشخاص عنا، ونختلف نحن بدورنا عنهم؛ لأن ليس ثمة مساحة كافية ليتقبل أحدنا الآخر، ثقافته، فكره، آراءه، نريد غيرنا نسخة كربونية تشبهنا بينما نحن لم نعد نشبه أنفسنا.
أعتقد بأن الدور الرئيس يقع على مؤسستين اجتماعيتين هما الأسرة والمدرسة، علينا أن نعلم الأجيال الجديدة كيف تكون مستقلة وجريئة دون أن تخشى غيرها، نعلمهم كيف يصنعوا هويتهم المتفردة وكيف يصادق لسانهم ما استقر في جناته دون اضطرار للمراوغة وكسب ود زائف على حساب كينونتهم.
عندما نقرر أن تفصح عن هويتها الحقيقية سنضطر لدفع ضريبة ذلك، ولكنها ضريبة يسيرة مقارنة بحجم خسائرها إذا ما أردنا التخلي عن معتقداتنا وما يؤمن به فكرنا.