د. عبدالرحمن الشلاش
حالنا مع العدالة كحال الناس منذ القدم فكل يدعي وصلا بليلى، وليلى هذه هي العدالة. المسؤول يرى أنه عادل ومنصف، والمراجع يرى أنه مظلوم. المدير يدعي أنه يحقق العدالة مع جميع موظفيه ومراجعيه، وكل مراجع أو موظف يشتكي من ظلم وجور السيد المدير، حتى في مجال الرياضة وخاصة اللعبة الشعبية الأولى كرة القدم تجد أن الاتحاد المسؤول عن اللعبة يؤكد المرة تلو الأخرى بأنه عادل بين جميع الأندية ولا يحابي أي ناد على آخر وأنه يطبق اللوائح والأنظمة، في المقابل نجد أن الأندية تصيح بأعلى الصوت من مرارة الإجحاف حتى ضاعت الحقائق فالجميع يصرخ ولا تدري تصدق الاتحاد أو الأندية!
العدالة ربما كمفهوم غير واضحة لدى كثيرين، فكل واحد منهم يحدد مفهومها من منظوره وحسب مصالحه، فظلم الغير عدل في نظره عندما يتوافق مع مصالحة، وإنصافهم ظلم في نظره حين يتعارض مع مصالحه، ولعل من الأسباب الظاهرة للعيان غياب المعايير الدقيقة والتعاطي مع البشر من منطلق المصالح، حيث أصبحت المصلحة المعيار الدارج إلا ما رحم ربي.
من هو الذي يفهم العدالة ويطبقها على من يدخلون تحت مسؤوليته من البشر على أنها إزالة الفوارق بين شرائح المجتمع، وتوزيع الفرص بالتساوي وفق معايير موضوعية مرضية لجميع الأطراف . أي توزيع الوظائف وفرص التعليم والإعانات والمكافآت والضمانات والخدمات بين الجميع وفق حصص مدروسة ومعقولة .
العدالة تقتضي كما يجب أن تكون أن لا يقف شخص في الطابور الطويل لكونه غير معروف وليس لديه واسطة وغير محسوب على أحد، بينما من يملك واسطة قوية ومحسوب من المقربين تقضى أموره بسرعة ويستقبل في غرف مزودة بكل وسائل الراحة. حتى الوظائف والمناصب عندما تجير للأقارب هنا تخنق العدالة لأن في مثل هذه الأفعال خرقا للأعراف الوظيفية وحجبا لفرص عن أشخاص أكثر قدرة وكفاءة وخبرة ومعرفة حتى أنك تجد أشخاصا لا يملكون من كل ما ذكرت سوى القرابة والنسب أو الصداقة فكأن في عدم تحقيق العدالة فساد عظيم آثاره مدمرة. يكفي أنها تزرع الإحباط في النفوس فطريقك مسدود إن لم يكن لك علاقات متينة تنتشلك من وضعك المزري إلى وضع أفضل يتناسب مع ما لديك من إمكانات ومؤهلات وخبرات.
شعور الناس بتحقيق العدالة لا يقاربه شعور آخر، لذلك يبدأ الإصلاح الحقيقي داخل المجتمعات والمؤسسات بتطبيق مبادئ العدالة لا خنقها بتطويعها لمعايير خاصة! مجرد إحساس المرء بأنه يعيش مرتاحا راضيا ليس له ولا عليه مؤشر معقول لتحقيق العدالة.