وذلك لما رواه النسائي وغيره من حديث أبي شريح، وفيه، قال يارسول الله: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين. قال: (ما أحسن هذا).
كما يستأنس بتحاكم عمر وأبي إلى زيد بن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد منهم قاضياً.
وأما التحاكم إلى الجهلة في الأحكام الشرعية، فإنه لاغ، ودائر بين التحريم والخروج من الملة -كما سبق في بيان حكم المعاديل-.
ويشترط في القاضي حتى يكون صالحاً للقضاء: أن يكون بالغاً، عاقلاً، ذكراً لقوله صلى الله عليه وسلم (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، والقوم لا يطلق إلا على رجال فقط، أو رجال معهم نساء، وأما نساء فقط فلا يطلق عليهن قوم، وعلى هذا لا بأس بتولية امرأة على نساء لا رجال معهن.
كما يشترط أن يكون القاضي حراً، لأن الرقيق ناقص برقه، مشغول وقته لسيده، مملوك لغيره، غير مستقل بنفسه.
وكذا يشترط أن يكون مسلماً، فالكافر لا ولاية له على المسلم، قال تعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ، وهو خبر بمعنى الأمر: أي لا تجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيلاً. وأيضاً: أن يكون عدلاً: وهو المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا .
ويشترط له: أن تكون عنده القدرة والأهلية الحسية والشرعية على القضاء.
فالحسية: أن يكون سمعياً، بصيراً، متكلماً.
فإن أمكن التوصل إلى المقصود لمن فقد شئياً من ذلك جاز، وإلا لم يجز، فإذا أمكن لمن فقد السمع أن يفهم من الخصوم عن طريق الكتابة أو نحوها جاز، وإذا أمكن التوصل إلى المقصود لمن فقد البصر، وعرف المدعي من المدعى عليه، والمقر والمقر له، والشاهد من المشهود عن طريق الصوت أو نحوه جاز.
وإذا أمكن التوصل إلى المقصود لمن لم يستطع الكلام، وأمكنه النطق بالحكم بالإشارة أو الكتابة ونحوهما جاز.
كما يشترط في القاضي أن يكون مجتهداً، ذكره ابن حزم إجماعاً، لقوله تعالى لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ.
ولقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ}.
ولقوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}.
وقال تعالى: {فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى}.
والمجتهد: هو الفقيه الذي عنده القدرة على استنباط الأحكام من الأدلة الشرعية مباشرة، على ضوء القواعد الأصولية والفقهية والحديثية واللغوية ونحوها.
ويجوز أن يكون القاضي مجتهداً في مذهب إمامه، وذلك عند الضرورة، كما أن شهادة الصبيان تقبل للضرورة، وذلك إن لم يكن في المكان إلا هم، وقبل تفرقهم.
فهذه الشرط تعتبر حسب الإمكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل، فيولى عند عدم توفر تلك الشروط: أنفع الفاسقين، وأقلهم شراً، وأعدل المقلدين، وأعرفهم بالتقليد.
ويحرم الحكم والفتوى بالهوى إجماعاً، كما يحرم الحكم والفتوى بقول أو وجه من غير نظر في الترجيح إجماعاً.
ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعاً، -كما ذكره في الفروع.
** **
د. محمد بن سعد الهليل العصيمي - كلية الشريعة جامعة أم القرى