شريفة الشملان
هذا المثل تركز في ذهني منذ بدأت أحداث البصرة، والبصرة التي من قديم الزمان أعرفها.بصرة عشت تاريخها، موطن النحاة والأدباء، تألق بها الجاحظ في كل كتبه وفي بخلائه أمتعنا، في تاريخها القديم عرفت موجات كثيرة من المهاجرين لها حيث المياه المتدفقة وغابات النخيل وما تحويه أيضا من عنب ورمان.كما عرفت الكثير من الحروب فعرفت حروب الزنج قديما ومرت عليها أزمنة سود لكنها تعود وتنهض من جديد، حرب إيران والعراق حديثا وتدمير أغلب قراها ونواحيها. عاصرنا بكل قلوبنا هجمة البريطانيين في حرب الخليج الثالثة.
تختلط في البصرة شعوب العالم وخاصة من الهند وايران وبلوش، عرفت الهجرة العربية منذ زمن سومر وأكد.
في ثانويتها عشت عن قرب من أهلها وعرفت تاريخها ومكتباتها.. عرفتها أيضا من شعرائها بدر شاكر السياب ومحمود البريكان ذا الأصل النجدي. وغيرهما كثيرين. كان أهل البصرة مؤدبين أنيقين طيبي المعشر..
أحداث البصرة أعادت لذهني مثل (من عشاه على الناس ما تعشى) قالته لي تلك البدوية التي لم يكن سنها ولا بدنها يساعدانها على العمل.. وأصرت على العمل وكان لها عملا بسيطا لم يطل مكثها حتى تقاعدت..
البصرة الخضراء يتوسطها شط العرب بكل كبريائه وجلاله، والنفط في جنوبها الغربي حيث الزبير وحقول الرميلة تلك التي كانت إحدى شرارات حرب الخليج الأولى.. وندع ذلك جانبا ونعود لهياج الناس فيها وقد أسرفوا بهياجنهم وأحرقوا وأتلفوا وهم في عز الحر حيث تبلغ الحرارة أكثر من 50 مئوية.
البصرة تشرب الماء من مدن إيرانية فأوقفته وتأتيها الكهرباء أيضا من مدن إيرانية فقطعته. وهكذا لم يجد أهل شط العرب الماء وعطشت البصرة وأظلم ليلها كما شب نارا نهارها وخرج ناسها يكسرون ويحرقون ويدمرون، وللأسف يدمرون في بنيتهم التحتية. وإذا كانوا يشتمون الفاسدين من رجالات دولتهم وبرلمانهم على فسادهم وحرمنتهم فهم في فعلتهم هذه سيتيحون لهم مجالا أوسع. التعبير عن الرأي حق من حقوق الإنسان ولكن التدمير ليس من حقه.
ما الذي يخرج الإنسان من عقلانيته وينسى حدوده إلا القهر أذا يقال إن الشعوب المقهورة هي الأشد عنفا..
المستعرب الياباني (نوتوهارا) في كتابه ( وجهة نظر يابانية ) المنشور عام 2003.. تكلم عن ظاهرة إهمال العرب للمرافق العامة والمرافق الحكومية والشوارع..وهو شيء مؤلم لأن بعض الحكومات لا تستطيع إقناع الشعوب أن البنية التحتية والمرافق العامة ملكا لها لا للحكومات.
إن وضع مقدرات الشعب بيد أجانب لا شك مؤلم جدا وغير محمود العواقب فما بالنا بما يحمله الإيرانيون على العراقيين من حقد منذ أيام إمبراطورهم الكبير (قورش) ،الذي أدخل عليه الحاخامات (ايستر) الجميلة، وهي للأسف شعار أحد المقاهي الكبيرة حول العالم بما فيه عالمنا العربي، خلبت الجميلة الناعمة لب ((قورش)) ومن خلالها أقنعه الحاخامات بغزو أرض السواد وتحرير اليهود وتدمير حضارة بابل كلية لا مدن ولا معابد ولا حي سلم من شرهم وأصبح العراق منكوبا تحت حكمهم..
أن تسليم أمور مقدرات الدولة أو بعضا منها لأجنبي مهما كان أمره في منتهى الخطورة فكيف لمن حقد عليهم، في عام 1988 قال الخميني (إن تجرع السم أهون علي من قبول وقف إطلاق النار مع العراق).
اختلفت الآراء حول المتظاهرين من هم ولماذا، راح البعض يفسرها أكثر أنهم مدفعون من إيران - نشرت التومان عملتها ليكن عملة شبه رسمية في البصرة -. حتى ولو كان كذلك فكيف تسلم شربة ماء البصرة للإيرانيين ليتحكموا فيها وكيف تسلم الكهرباء التي لم يعد الإنسان يستغني عنها لهم.وكانت هناك مولدات كهربائية ترى أين ذهبت ومن أتلفها ؟ أهي الحروب أم الطائفية التي تم إشعالها؟؟
(عفوا من عشاه على الناس ما تعشى) فكيف هانت حال أهل البصرة حتى يكون نورهم وماؤهم بيد من لا يرحمهم..
يا رب أرحمتك لكل البقاع المنكوبة..