د. خيرية السقاف
تصبح الحرية الشخصية قيداً حين لا يكبح جماحَها ضابطٌ ..
كما الصراحة تصبح وقاحة عند انفلاته..
لا يجرح الجمال في الإنسان حدَّ الشّفرة إلا ذاته..
نفسه الفارطة, ومكنونه الضبابي..
فالنفس جُبِلت على الإمارة, فإما للحماية, وإما للإيقاع..
يقع المرء بين حدي شفرة, إما مهابة القطعِ, وإما مهابة النجاة..
فمن يهاب الجرح يجتاز الحد القاطع, ومن لا يهابه يُقْطع..
ومن يشعر بالجرح قد يبرأ بالعلاج, ومن يُكابر بالمباهاة قد ينزف للموات..
الحد ضابطٌ مَعْقَده سلوكُ المرء,
عن نفس تُربّى, وفكرٌ يؤسَّس, وخُلُق يُكوَّن, مكنون متكامل متجانس,
هو عصبة فيه يوظِّقها سلوكاً بينه ونفسه, وبينه والخارج عنه..
المرء يسلك ما يرى الناس, والمرء يسلك ما لا يرونه..
فإن تجاوز هلك بقيده, وإن اعتدل نجا بحريته..
لا يمنح سلوك المرء صفاتِه, وخصائصَه إلا أفعالُه..
ابتداؤها مسلكه, وانتهاؤها نتائجه..
الضابط فيه إن توطَّد, يكون الجمال أول ما يرى راضياً بقيده ولو على نفسه كي لا يجرحه, أو يغتاله فيها..
وإن تزعزع جافاه, وجاء عليه فاغتاله, فيها, وخارجاً عنها!! ...
المرء حين يستقل عن أبويه, ويُزج في معترك توحُّده مع مسؤولياته عن نفسه, يكون حراً طليقاً, إن احتكم لضوابط الذات الواعية مكَّن لحرية العيش سليماً بين الناس, مسالماً معهم, وإن فرَّط فيها ولم يكبحها سلوكاً قيّد نفسه ولو بكلمة مارقة, أو بفعل مسرفٍ,
وقِيد حينئذ لقوانين خارجة عنه..
هو بين ما له, وما عليه,
بين ما يُشرق وما يُحرِق,
بين ما يبني وما ينقض,
بين ما يصح وما لا يصح,
إما ناجياً, أو هالكاً..
إن لم يفصل بين حدِّ الشّفرة القاطع, وحدِّها المانع بضابط يقين بأن الحرية الشخصية ضابطة,
لا فارطة..
فحرية المرء الشخصية على محك ..
والجمال الذي في الكون من حوله يتنفس وعياً,
وبكل المقاييس له قوانينه الضابطة!!..