مها محمد الشريف
العالم أمام إستراتيجية وتكاليف غير قابلة للفرضيات، مع اختلاف النظم السياسية والاقتصادية التي تحدد السياسات التجارية وتثني الشخصيات السياسية والاقتصادية في العالم العربي على مبادرة «الحزام والطريق» وفي المقابل الصين تعلن توقيع وثائق لرسم هذا الطريق. ويمكن المرء أن يكون أكثر تأثرا ويعيد ما كتبه سابقا عن موضوع أكثر مرونة، يكرر أحداثه فيرغمك على إعادة نشره مع إضافة للأحداث المتجددة حول تاريخ التجارة القديم ونصيب العرب الوافر منها، فمنذ فجرالتاريخ كانت التجارة البحرية نشطة، وكذلك التجارة البرية التي اتسعت مساحتها إلى القوقاز والهند والصين، واشتهرت الأسواق في الجاهلية أيضاً بسوق عامة دائمة وسوق عكاظ أشهرها، ولم تقتصر على البيع والشراء فحسب إنما كانت منتديات أدبية تُلقى فيها القصائد.
كل ذلك يمكن تصوره على صفحات التاريخ، حيث يتوقف نجاحه على قدر استثماره الذي تحقق عبر العصور، وقال المؤرخ الإغريقي» أجاثرخيدس» الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد: إن شبكة التجارة العربية متعاونة ومتكاملة فيما بينها، فنجد أن مملكة تدمر قامت ببناء حوض للسفن في مملكة ميسان ليتيح نقل البضائع من ميناءيها على الفرات، وقد كان التدمريون يملكون سفناً في الخليج العربي والمحيط الهندي، وكان التجار الصينيون قد زاروا المنطقة في عام 97 للميلاد.
أما في عصر الإسلام فوصلت التجارة العربية إلى أقاصي المعمورة إلى الصين وروسيا وأفريقيا وإندونيسيا، وذكر القرآن الكريم رحلة الشتاء والصيف التي كانت تقوم بها قريش وأجداد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذين يعملون بالتجارة من مكة إلى أرض فلسطين وسورية الفينيقية.
وبقيت التجارة إحدى أهم وسائل التواصل بين شعوب العالم وتكامل العملية التجارية، وأصبحت تلعب دوراً مهماً في مصالح الدول ولاسيما مع توجه بعض الدول إلى استغلال المزايا النسبية، فقد نجد دولاً تعاني الجفاف والتصحر لكن لديها فوائض مالية، ودولاً أخرى لديها خصوبة الأرض وتوفر الأمطار لكن ليس لديها أموالا تساعد على استغلال هذه الميزة، وهنا يكون أحد أنواع التكامل مابين رأس المال والثروة الطبيعية، ولو أن السلام عم العالم لوجدنا أمثلة مبهرة لمثل هذا التكامل، لكن الخلافات وتقاطع المصالح السياسية أحياناً يفشل مثل هذه النماذج.
وعالم التجارة ينطوي على أسرار عميقة وحروب دفينة في ساحة السوق وسلاحها السلع وأدواتها الناس من بائع ومشترٍ، وكما لها من أسرار فإن لها أيضاً قواعد ومنطلقات، فقضية العرض والطلب تشكل أساساً لتحديد السعر فإذا توفرت السلع بشكل كبير بالأسواق انخفض سعرها، وإذا ما شحت سلعة ما فيرتفع ثمنها، وتشير بعض التقارير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على ثلاثة أرباع التجارة الدولية، ويأتي في مقدمة ما تنتج زراعياً القمح الذي يعتبر على رأس الاحتياجات العالمية للاستهلاك الغذائي، وحيث يوجد فائض في إنتاج القمح فإن أمريكا تفضل أن تتلف أحياناً كميات كبيرة منه بحرقه أو إلقائه في البحر لأجل المحافظة على سعر القمح وعدم انخفاضه لكونه سلعة رئيسية في العالم.
كما يستخدم الإغراق بطرق مضرة في السوق ويعد إحدى أدوات المنافسة غيرالشريفة، فحينما تقوم دولة بتصدير سلعة إلى دولة أخرى وتخفض سعر السلعة عن سعر التكلفة بقصد الإضرار بالمنتج المنافس يعد مخالفة تستوجب العقوبة، وأصبحت تهمة الإغراق متداولة على نطاق واسع بين الدول، كما كانت حماية المنتجات أحد معوقات مفاوضات التجارة العالمية، ولهذا فإن البعد التجاري في التعاملات بين الدول يشهد كثيراً من الشد والجذب وله أبعاد كبيرة تنعكس على كل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ومن هنا فإن قوة الدول لم تعد في جيوشها وإنما في اقتصاداتها وما تحتويه سلتها الصناعية والخدمية والتجارية، وتنويع القاعدة الاقتصادية أحد أهم عوامل الثبات ومواجهة المتغيرات التي تشهدها اقتصادات العالم من حين لآخر..
ونعلم أن التجارة الدولية في الدول النامية تخضع لبعض القيود، ولذلك لابد أن تتساوى الطلبات بين الكمية المطلوبة والكمية المعروضة حيث إن الأسواق أصبحت موحدة.