محمد المهنا أبا الخيل
ينفتح للأمم نافذة في الزمن، تتضافر لها عوامل تقودها للتقدم الحضاري والاقتصادي، وتتمثل هذه العوامل في الاستقرار السياسي وتيسر مداخيل الدولة المالية واكتساب الشعب قدر جيداً من التعليم وخلو البلاد من الأوبئة والأمراض المنهكة للقدرات البشرية، الأمم التي تتوافر لها تلك العوامل في حال وجود قيادة سياسية واعية ومدركة لحال الأمة، تنهض بحضارتها بسرعة قد لا تتجاوز عقد من الزمن، إذا وضعت تلك القيادة رؤية تطلعية واقعية للمستقبل، ودعمتها بالمبادرات والبرامج والمشاريع المتجانسة والمتضافرة، ووضعت أولويات واضحة للإنجاز الحكومي والشعبي، وعكس ذلك يحدث إذا لم تستفد قيادة الأمة من هذه النافذة الزمنية وانشغلت خلالها بنشاطات غير تنموية أو صراعات سياسية وشؤون دولية وتدخلات في شؤون الغير, بل إن مستقبل الأمة كوحدة وطنية ربما يتعرض للخلل وتحدث صراعات وانقسامات في وبين مكوناتها الاجتماعية مما يحرم الأمة من تلك النافذة الزمنية التي ربما لا تتكرر.
في عقد السبعينيات من القرن الماضي تحسنت أسعار النفط بصورة غير مسبوقة، مما شكل ثروات لعدد من البلدان النفطية، بعض هذه البلدان استفاد من تلك الثروات في بناء بنيتها التحتية من طرق وشبكات كهرباء وموانئ ومشاريع إسكان وشبكات اتصال.. الخ، واهتمت بالبنية الاجتماعية فيسرت التعليم والعلاج والضمان الاجتماعي، وبعض تلك البلدان انشغل بتمويل توجهات إيديولوجية وصراعات سياسية أو التآمر على بلدان مجاورة، أو التدخل في شؤون البلدان الأخرى بهدف خلق قلاقل أو تمزيق وحدة تلك الدول، في النموذج الأول يمكن تصنيف بعض دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، وفي التصنيف الثاني يمكن وضع معظم الدول العربية النفطية كالعراق وليبيا والجزائر وغير العربية مثل إيران ما بعد الشاه وفنزويلا، في حين أن هناك دولاً غير نفطية استطاعت أن تستفيد من نافذتها الزمنية في تحقيق تقدم حضاري متميز، كسنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا وفي مطلع القرن الحالي، أصبحت هناك نموذجية واضحة للتقدم الحضاري، تبنتها عدة دول مما يجعلها على طريق النمو الحضاري وأبرز ما يذكر في هذا التصنيف هي روندا التي خرجت منذ عشرين سنة من حرب أهلية طاحنة ويتطلع شعبها اليوم لحياة جديدة.
المملكة العربية السعودية اليوم وهي تستعد للنهضة الحضارية الثانية من خلال رؤية (2030) وبقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، تواجه تحديات غير تقليدية، فهي حين تضع برامج تنموية طموحة تواجه متطلبات أمنية كبيرة، يفرضها العبث الإيراني في المنطقة والمراهقة السياسية للحكومة القطرية، ومتطلبات إستراتيجية تتمثل في إنهاء حالة الصراع العربي الإسرائيلي بما يحقق عودة الحقوق الفلسطينية وتكوين تجانس اقتصادي وسياسية مع دول الجوار المعتدلة، هذه التحديات هي ما تصيغ السياسة القيادية في المملكة وتضع عبئاً مضاعفاً على الحكومة في سبيل تحقيق مبادرات وبرامج الرؤية، ولا شك أن القيادة الرشيدة واعية أننا نعيش نافذتنا الزمنية الفذة التي يجب أن نستغلها بما يحقق لنا نهضة حضارية غير مسبوقة.