د. محمد عبدالله العوين
حين تطالب محكمة العدل الدولية من جديد باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بعد أن لم يستمع إلى نداءاتها أحد وظل البشير يتنقّل بين دول العالم المختلفة بسلام؛ فإن ثمة ما يدعو إلى الشك في حيثيات هذا الإلحاح من المحكمة الدولية وما دوافعه وعلى ماذا بُني وهل الاستدلالات التي رفعها المتظلِّمون في دارفور حقيقية أم مكذوبة أم مضخَّمة؟!
ثم هل من مسؤوليات محكمة العدل الدولية تشجيع الانشقاقات على الأنظمة؟ أو التمهيد لتقسيم الدول التي تحتوي على أقليات أو طوائف؟ ولو افترضنا أن هذا الاتجاه صحيح وحقيقي فكيف سيكون مصير كثير من دول العالم؟!
لو تناسينا مناشدتها دول العالم التي أصمّت أذنيها لعدم اقتناعها بوجاهة ما اتكأت عليه من أدلة تفتقد الإثبات بشأن قضية البشير؛ في الوقت نفسه كيف تغض المحكمة الدولية بصرها عن مجرمين عتاة يمارسون الإبادة الجماعية في بلدان كثيرة منذ سنوات؛ لكنها عمياء صمّاء بكماء؟!
أين محكمة العدل الدولية مما يقترفه بشار الأسد من جرائم مروِّعة في الشعب السوري منذ أكثر من سبع سنوات؟!
أين هي من الغازات السامة والبراميل المتفجِّرة وتدمير المدن على ساكنيها والتهجير والموت تعذيباً في السجون أو غرقاً في البحار أو ضياعاً في المنافي؟!
أين هي مما يقترفه نظام الملالي في طهران بحق الشعب الإيراني خلال أربعين عاماً من قتل جماعي وتعليق على المشانق وتغييب في السجون وإفقار وإذلال وعزلة عن العالم؟!
أين هي مما تقترفه مليشياته الطائفية بقيادة الإرهابي قاسم سليماني في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟!
أين هي مما تمارسه عصابة الحوثي التي اختطفت السلطة في اليمن من أعمال إجرامية بحق الشعب اليمني وفرزه على أساس طائفي مقيت فقتلت وفق هذا المعيار الكهنوتي المتخلّف آلافاً من خيرة شباب اليمن وعلمائه وقضاته ومثقفيه وإعلامييه ووجهاء قبائله؟!
أين هي من خليفة المسلمين المزعوم الذي أخفي فجأة «فص ملح وذاب» أبي بكر البغدادي وما أفتى به ومارسه من قتل واستباحة لدماء الأبرياء ومن يقف وراءه من دول وزعامات سياسية؟!
أين هي من حمد بن خليفة وحمد بن جاسم اللذين كان لهما دور كبير في إشعال الفتن والثورات في ست دول عربية، وقتل بسببهما عشرات الآلاف من البشر، وفقد ملايين آخرون فرص الحياة الكريمة الآمنة بسبب القلاقل التي عمَّت بلدانهم ولا زالت ثلاثة بلدان تحترق بسببهما؛ وهي: سوريا وليبيا واليمن.
إن من واجب محكمة العدل حصر وإثبات الجرائم التي اقترفها بشار الأسد وعلى خامنئ وقاسم سليماني وأبو بكر البغدادي وزعامات الحشد الشعبي ونوري المالكي وعبد الملك الحوثي وحمد بن خليفة آل ثاني وحمد بن جاسم آل ثاني ثم إصدار أوامر القبض عليهم وتسليمهم للمحكمة في لاهاي وإصدار الأحكام بحقهم.
لكن المحكمة تدع المجرم حراً طليقاً يمارس وحشيته حتى إذا أنهى مشاريعه الدموية ابتدأت في النظر في أفعاله؛ كما عملت مع المجرم الصربي «سلوبودان ميلوشيفتش».