عبدالوهاب الفايز
الأرقام الأخيرة للبطالة، تأخذنا مرة أخرى إلى أحد تحدياتنا الوطنية وهو: كيف نرفع نسبة توظيف المرأة لكي نعوض الفارق الكبير بين عمل المرأة والرجل الذي تجمع نتيجة لتضييق فرص العمل. الأرقام الأخيرة كشفت أن إجمالي السعوديين الباحثين عن عمل من واقع السجلات الإدارية (برامج جدارة، وساعد، وحافز) للربع الأول 2018م (1.072.162) فرداً مقابل (1.086.561)، بانخفاض (14.399) فردا عن الربع السابق، حيثُ بلغت نسبة السعوديين الباحثين عن عمل من الذكور (16.1 في المائة) فيما بلغت نسبة السعوديات الباحثات عن عمل (83.9 في المائة)، والنسبة الأخيرة هي الأهم.
هذه تعني أن لدينا من النساء بحدود 900 ألف تبحث عن عمل، منهن أكثر من 600 ألف جامعية، فهؤلاء منهن من هي (جالسة في البيت) تنتظر فرصة، ومنهن من تبحث عن عمل أفضل، وهذه الأعداد، كما ذكرت هي تحدي وطني كبير، وهي تقدم لنا فرصة تنموية لكي نوسع قاعدة العمل ونرفع القيمة المُضافة لاقتصادنا، وأيضاً لكي نعزز القدرة الإنتاجية للشعب السعودي، خصوصا أننا مقبلون على حقبة عنوانها: عدم الاعتماد على النفط.
هذا التحدي يتطلب الاستمرار وعدم الملل من مناقشة واستكشاف مسارات عمل جديدة للمرأة، فنحن في حقبة تتبدل فيها طبيعة ممارسة الأعمال، والمستقبل يقول إن المنظمات الافتراضية سوف تكون ميدان الإنتاج القادم، وهذه تعني تراجع أهمية عنصري الزمان والمكان في بيئة العمل، وهذا يقدم فرصة لتوسيع فرص عمل المرأة، فتطور تقنيات الاتصال وانعكاسها الإيجابي على الخدمات والمعاملات الرقمية يقدم فرصة تناسب أوضاع المرأة لدينا.
لتوسيع فرص عمل المرأة (تدخل الحكومة) ضروري على ثلاثة مسارات يمكن العمل عليها، وكلها داعمة للنمو الاقتصادي وإنعاش مؤشرات الطلب على السلع والخدمات، وفِي فترات الركود الاقتصادي يصبح دور السياسات الحكومية المحفز للاقتصاد ضروري، أي أن الحكومات يجب أن تتوسع في الإنفاق على القطاعات الإنتاجية حتى تحافظ على روح الاستثمار والإنتاج في الاقتصاد.
أحد المسارات الممكنة لعمل المرأة هو التنمية الاجتماعية. ربما من الضروري أن تتبنى الحكومة برنامجا لدعم الجمعيات الخيرية والاجتماعية عبر إحداث (100 ألف وظيفه) لدى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بحيث توزع هذه الوظائف على مؤسسات المجتمع الأهلي ضمن آلية موضوعية يضعها مختصون. الجمعيات أصبحت تقوم بأدوار حيوية، ونحتاجها لتبني برامج للحماية والدعم الاجتماعي حتى نضمن استيعاب المخاطر التي قد تنشأ عن برامج التخصيص.
المسار الثاني هو مشروع وزارة التعليم لدعم رياض الأطفال، فرؤية المملكة 2030 تستهدف الوصول إلى 30% في نسبة التحاق الأطفال برياض الأطفال في عام 2020، ثم 75% عام 2030. ونحن متأخرين في هذا الجانب. هنا ربما نحتاج دعم الوزارة بـ (50 ألف) وظيفة أو أكثر، وهذا استثمار في الأجيال القادمة وحماية لهم من الثورة القادمة في الألعاب والمنتجات البصرية التي لا نعرف مدى تأثيراتها عليهم.
أيضاً ثمة مسار ثالث وهو تبني برنامج وطني لتدريب (50 ألف سيدة) على عمل مراكز الخدمات الهاتفية والمراكز الشاملة المتخصصة. لقد أدى توسع القطاع العام والخاص في هذا المجال إلى دخول المرأة عليه بأعداد كبيرة حيث أثبتت كفاءتها ونجاحها، وهذه بيئات معزولة توفر للمرأة الخصوصية. هذه الأعداد المؤهلة سوف توطن الوظائف المهاجرة أو التي تهاجر الآن!
أيضاً علينا الإصرار وعدم التراجع عن برنامج التوطين للوظائف بالذات في قطاع التجزئة، فقد ثبت أنها مجال خصب للتوظيف، ولتوليد رائدات الأعمال، بالذات إذا تم معالجة إشكالية ساعات العمل الممتدة.
لقد كانت الحكومة هي الموظف الأول للمرأة في الثلاثة عقود الماضية، ويفترض أن تستمر في هذا الدور حتى نستكمل بناء التشريعات المحفزة لتوظيفها مع استمرار تطوير بيئة العمل والممكنات الاجتماعية لتوسيع فرص عملها.