د. خيرية السقاف
انصرفت الناشئة عن القراءة المفيدة، ولم يعد يؤسس لها في البيت، ولا في المدرسة لتصبح عادة يومية تستحث شغفهم، وتستحوذ على اهتمامهم..
وبينما نجد الدول المصدِّرة لنا مختَلَف الوسائل، بكل مضامينها التي شغلتهم بثقافة معلبة، «مُعنكَبة» السرعة، مبرمجة للاستحواذ، مسطَّحة في غالبها، مبتسرة في كثيرِ فوائدها، بمزيجها الصحيح، والمزيف، والمتين، والهش، والباني، والناقض، والمختصر، والمفرَّغ، على الرغم من أنهم فتحوا لشعوبنا العربية نار منجزهم الفذ «الإنترنت» فإنهم يمضون بكتب قراءاتهم في القطار، والطائرة، ومحطات الانتظار، وجوار وسائدهم، وأرائك راحتهم، وشواطئ استراحتهم، ولحظات خلوتهم بأنفسهم، وحيث يذهبون فأول ما يبحثون عنه هو الكتاب، بشتى مضامينه، وغاية مراميه، واختلاف وسائله بما فيها هذه الوسيلة..
إنهم مثقفون، جدليون، ذوو منطق، وحجة معرفة، ومخيلة ثرية، ومواكبة لكل جديد في الفكر، والأدب، والسياسة، والنقد، والاقتصاد، والصحة، والفنون، وكل شيء، وأي معلومة حيوية نافعة..
بينما لا يجد ناشئتنا من يقرأ أمامهم، أو يدلهم إلى مصادر الثقافة، والفكر الرصين، فيمكن عقولهم، ويوطد خبراتهم، ويبني قواعدهم في المعرفة النافعة فيقتدون به، ولا يجدون بينهم من يتخذ من القراءة هواءَ شهيقه، وزفيره، ورفيقَ خطوته، ومجلسه، وليس في المدرسة مكتبة ثرية، وحصص مقننة للتنافس التوسعي في الثقافة، ولا وقت للقراءة في المختلف من الفنون الفكرية، لذا فإنهم يندفعون لقطوف عاجلة، ورذاذ عابر مما يسمعون ولا يتيقنون، أو يمر بعيونهم فلا يوثِّقون، وتثقل عليهم دقائق، فكيف ساعات مع كتاب، وتضيق صدورهم بمثابرة دائمة على القراءة، والاطلاع..
إن من محاسن الأجيال السابقة أن كان حظها من القراءة أكثر، وجدية مُتاحاتها من المصنفات أجدى، ومناهلها من التراث والأدب، والشعر، والتاريخ أثرى، وخلوص أوقاتها مما يشغلها عن القراءة أنفع..
لقد مضى من أشهر الإجازة الأكثر من أيامها، ففيما تبقى ليت الآباء يلتفتون إلى أمر جذب صغارهم إلى الكتاب لينهلوا في مكتبة التراث الأدبي، والتاريخي، والفكري، بجاذبية برنامج تنافسٍ مشجع، وبتكليفٍ ذي مكسب يتفق مع اهتمام أفرادهم، وحاجاتهم، وميولهم..
فلا يخسرون أيامها الباقية بين نوم، وهدر، ولا يُحرَمون التمرُّسَ على القراءة، وتعوِّدها، ومن ثم يكبرون وهم على أذرع هشة، وقِوَام متهالك من مكاسبها، وهمم متخاذلة، وفراغ يتيهون به في معترك الحياة.