رجاء العتيبي
ليس من الضرورة أن تشير إلى ألقاب قبل أو بعد (محمد العثيم) فاسمه الثنائي يكفي أن يستدعي عالم المسرح، اسمه (براند) مشهور يحيلك إلى شخصية مسرحية قلما تجد لها مثيلاً في التاريخ المسرحي محليًا وعربيًا، يمر بك الاسم فتعرف أنك في حضرة المسرح، لذلك لا يحتاج أن تعرف به ولا تبدأه بلقب ولا تنهيه بصفه، إنه محمد العثيم وكفى.
هكذا هو وهكذا يعرفه الناس وهكذا وجدناه في الهاشتاق الذي تصدر تويتر السبت الماضي، يوم وفاته - رحمه الله - في فاجعة أحزنتنا جميعًا، ولكن عزاؤنا أن محمد العثيم - رحمه الله - باقٍ في قلوبنا، باقٍ في دنيا المسرح، باقٍ على مر الزمان، شخصية مسرحية غير قابلة للنسيان، إنه محمد العثيم وكفى.
محمد العثيم تجده في كل ناحية من نواحي المسرح، في مؤلفاته، مسرحياته، محاضراته، جلساته، يحضر حينما يحضر المسرح ويكون جزءًا من الحديث والفكر ووجهات النظر، مهما اتفقت أو اختلفت معه لا تملك إلا أن تحترم هذا الرجل الذي أولع بالمسرح منذ نعومة أظفاره حتى وفاته السبت الماضي 1 ذي القعدة 1439هـ، ورغم أن له اهتمامين آخرين:
الشعر الشعبي والصحافة المطبوعة إلا أن المسرح غلبهما وبات مسرحيًا: كرائد وكمؤلف، إنه محمد العثيم وكفى.
أخرجت له عملان مسرحيان: نص الحقيقة العارية تتناول علاقة المثقف بالسلطة، ونص مثلي مثلك تتناول مشكلات ذوي الإعاقة، عملنا بعدها على ثلاثة مشاريع مسرحية ولكنها - للأسف - لم تنفذ لعدم توفر الدعم المالي الكافي، حاول جاهدًا هنا وهناك ولكنه لم يفلح، توفي وفي نفسه شيء من المؤسسات الثقافية سوى النادي الأدبي بالطائف الذي طبع له مجموعته المسرحية الكاملة وقدمها على منصة التوقيع في معرض الكتاب الماضي.
عرفته منذ سنوات طويلة، وجمعتنا لقاءات كثيرة، وتعلمنا منه أدبيات ومفاهيم ومصطلحات المسرح، كان يقول الفارق الذي يجعل المسرح مسرحًا هو (الطقس)، أما إذا غاب الطقس فلا تكاد تميز المسرح عن التلفزيون والسينما والرقص وستاند أب كوميدي، بدون طقس تكون قد عملت شيئًا غير المسرح، ويمكن العودة لكتابه الطقس المسرحي لتعرف أن معظم الأعمال المسرحية ليست مسرحًا في ظل هذا المفهوم، وأظنه حقيقة، لقد قال لي كل شيء عن الطقس المسرحي في كل مرة ألتقيه، آخرها قبل رمضان الماضي في جلستنا حول إخراج مسرحية (سوق قبة رشيد) وبجوار مكتبته العامرة بكل ما يخطر على بالك من كتب المسرح والفن وعلم الجمال.
كان اللقاء الأخير معه، رغم تفاؤله بأنه سيمكث على قيد الحياة لسنتين قادمتين، قالها لي بتفاؤله المعتاد وحبه للحياة وابتسامته الدائمة، قال سأرى نص سوق قبة رشيد على خشبة المسرح، لقد تجاوزت الصعاب بفضل الله فالجسد ليس فيه مكان إلا وبه علة، ولكن الله مد في عمري لأقول وأعمل في كل مرة شيئًا عن المسرح.
السبت الماضي خسر معركته مع الموت، وتوفي رحمه الله وإرثه الأدبي ما زال يتحدث عن المسرح، وفيه متسع ليعرف جيل كامل ما هو المسرح.