ياسر صالح البهيجان
كنت ذات مساء في لقاء مع أصدقاء بأحد المقاهي الواقعة على أطراف مدينة الرياض، وبينما نحن نتحدث، أُغلق التلفاز وتحول صخب الحضور إلى صمت مريع، فجأة أطل علينا شاب في أوائل العشرينات من عمره، وتظهر عليه سمات التدين الظاهري، طلب منَّا الذهاب نحو الباحة الفسيحة وسط المقهى لأن «الشيخ» سيلقي كلمة وعظية يذكر بها اللاهية قلوبهم عن ذكر الله.
وبدافع الفضول قررت الذهاب للاستماع إليه، فمن يدري لعله يوقظ فيني غفلة لم أكن أعلمها، لكني لم أجد حينها سوى خطاب حافل بالوعيد، ومحرض لنا على ترك المقهى لأن فيه تلفازًا يعرض صور نساء وأصوات معازف.
أذكر أنني لحقت بالشيخ ذاك الذي كان يرتدي مشلحًا أسود دون غيره ممن رافقوه، وسألته إن كان لديه ترخيص يجيز له اقتحام الأماكن الخاصة وتجميع البشر والحديث إليهم، فأجابني الموعظة لا تحتاج لإذن من أحد.
أدركت حينها أن واقع الخطاب الدعوي يعاني من أزمة تيه لأن كل من أراد ذلك السبيل سيسلكه حتى وإن لم يكن مؤهلاً بما يكفي لدعوة الناس، حتى وإن كانت موعظته متطرفة حافلة بدعوى الكراهية والتأليب والعنف.
أعلم أن معالي وزير الشؤون الإسلامية الدكتور عبداللطيف آل الشيخ منزعج من تلك السلوكيات غير المنضبطة في المجال الدعوي، وأنا على يقين بأن لديه مشاريع جادة لوضع حد لأولئك العشوائيين الذين يظنون بأن حفظ آية أو كتاب جدير بأن يجعل منهم دعاة.
ما أرجوه هو مسارعة الخطى في هذا الصعيد، لأن السيل بلغ الزبى، ولم يعد من المقبول وجود انفلات باسم الدين واستغلال لقدسيته فيما يفسد ولا يصلح، وتلك المواعظ النشاز لا تسيء لصاحبها فحسب، وإنما للمجتمع برمته، في ظل تطور وسائل الاتصال وانتقال معظمها من الحيز المحلي إلى النطاق الدولي المفتوح عبر شبكات الإنترنت.
أي خطاب ديني يصدر من أرضنا هو يمثل اتجاه مجتمعنا ورؤيته للدين في ظل دولة قائمة على المؤسسات والعمل المنظم، ولابد من الحزم في هذه المسألة، ووضع آلية تحدد الدعاة والوعاظ الموثوقين وقصر العمل الدعوي عليهم تمامًا كما جرى في أمر الإفتاء، ولا أرى سببًا للتفريق بين الواعظ والمفتي، فكلاهما يسعيان إلى إرشاد الناس دينيًا بالوسائل والمرجعيات المقدسة نفسها.