أ.د.عثمان بن صالح العامر
يظن البعض أن مشكلة الأخبار الكاذبة والسخرية والتهكم والتلاعب بالمشاعر والتدليس على العقول والإعلاء من شأن الرويبضة في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر صفحات الإنترنت مشكلتنا نحن في المملكة العربية السعودية أو حتى الخليج والعالم العربي، مع أنها في حقيقتها مشكلة عالمية تعاني منها كثير من الحكومات العالمية وعلى رأسها الدول العظمى أو ما تنعت بدول العالم الأول، ولذا تجد الهيئات الرقابية والإعلامية والاستخباراتية في هذه الدول في مواجهة دائمة مع متعاطي الإنترنت الذين يحركون الرأي العالمي العام ويدغدغون مشاعر الشعوب ويتلاعبون بالعقول، وفي ذات الوقت تجري هذه الجهات ذات العلاقة مفاوضات دائمة مع أصحاب ومديري الشركات التقنية العابرة للقارات التي تملك ثروات هائلة من المعلومات سواء عن الأشخاص أو الشركات والهيئات رغبة منها في الوصول إلى مكمن الداء أشخاصاً كانوا أو عصابات وجماعات ومنظمات تهدِّد أمن المجتمعات وتنخر في جسد الأوطان وتحصل على تمويلها من عشاق الدم ودعاة الإرهاب وجراثيم الأرض الأشقياء.
أكثر من هذا أقرأ عن البرازيل أنها أقرّت مقرراً دراسياً في (تحليل المضمون الإعلامي) يدرس في مدارس التعليم العام من أجل أن يسهل على الطالب معرفة الأخبار الكاذبة والتمييز بينها وبين الصحيح. ولَم يكن هذا الإجراء ليتم لولا شعور القائمين على التعليم هناك بالخطر المتوقّع من هذا العالم الافتراضي المفتوح الذي يكتب فيه من شاء ما شاء لمن شاء وكيف شاء.
معالي وزير التعليم المبجل.. أعتقد أننا أحق بهذا وأولى من البرازيل وغيرها، فمهما قيل عن عالمية ظاهرة الكذب والتدجيل في السوشل ميديا فهي في عالمنا العربي وعلى وجه الخصوص في منطقتنا الخليجية وبوجه أخص في المملكة العربية السعودية أشد وأنكى، إذ إن هناك جيوشاً إلكترونية موجهة لضربنا في قياداتنا الوطنية وعقيدتنا السلفية وقيمنا الإسلامية وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية بمعرفات أجنبية وخليجية وقد تكون وطنية للأسف الشديد تُدار من قبل خلايا إرهابية وتحصل على تمويلها من دول وجماعات معروفة التوجه والاتجاه، هدفها الأول والأخير نزع الثقة برموزنا الوطنية، وزعزعة الصف المجتمعي المتراص خلف قيادته السياسية، وزرع بذور الاختلاف والتفرّق في أوساطنا الشعبية والنخبوية، ولذلك فإن إقرار مثل هذه المادة في مراحل التعليم العام (المتوسطة والثانوية) فضلاً عن العالي وعلى جميع الطلاب والطالبات مطلب ضروري ليس فقط من أجل مواجهة الجيوش الإلكترونية التي تكذب أو أنها تضخم الأحداث وتجعل من الحبة قبة كما يُقال، ولكن لكي لا يتسلّل الطابور الخامس وأعداء الوطن إلى عقول صغارنا فيخدعونهم، وحتى لا تسلب إرادتهم فينتحرون جراء لعبة، أو تغسل أدمغتهم فيصبحون قنابل موقوتة في يد العدو، ولعل هذا المطلب صاحب المعالي يتمثَّل ويُصاغ في مبادرة وطنية ناجزة ومدروسة حتى يشارك التعليم مقام وزارة الداخلية ورئاسة أمن الدولة وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وغيرها من الجهات ذات العلاقة والاختصاص في حماية وحراسة قناعات أبنائنا من مكر الأعداء وتربص الأشقياء. ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.