عبد الله باخشوين
عقب الاجتياح الأمريكي للعراق.. عمت حالة من الفوضي.. وانتشرت إشاعات واسعة وصلت إلى دول الخليج والمملكة ومصر ولبنان وغيرها. كان أخطرها وأكبرها يؤكد أن مزارع (السيدية) في ضواحي بغداد انتشلت منها (شنط) حديدية كبيرة الحجم ممتلئة بالدولارات ربما من فئة (المئة دولار) غير أن (المطبوع) منها (وجه واحد فقط)، أما الوجه الآخر فلم يطبع بعد.. وأن البحث جار في (دول كثيرة) عن (الكليشة) التي تحمل الوجه الآخر الذي أصبحت قيمته تعادل ملايين الريالات أو الدنانير أو سمها ما شئت.. بمعنى أن الكلام كان يدور حول عملية (نصب كبيرة) محورها الأساسي هو (التزوير) طبعاً في تلك الفترة لم تكن تقنيات (الجوال) ومجالات استخدام (الكمبيوتر) إلى المستوى الذي يتم تداوله الآن ووصل الحديث عن (دولارات العراق) إلى حد السؤال:
- انته شفتها بعينك والا سمعت عنها وبس؟
ووصلت إجابات البعض للقول:
- شفتها بعيني.. واللي وراني هيا.. كان يبغى يعرف إذا كنت أعرف أحد يقدر يجيب (الوجه الثاني) ولما قلت ما أعرف قال.. طيب كتم على الموضوع ولا تجيب سيرة لأحد؟!
أما أنا -شخصياً- فأقسم بالله.. أنني جلست مع من أخذ يحدثني عنها ويقول إنه رآها ولمسها وكانت تملؤ (كرتوناً) للأحذية -عزكم الله-.. فقلت على سبيل المزاح:
- عندي طابعة بتقنية عالية (كولاجات) لصور كأنها بوسترات لبعض الأفلام وأنشرها مع اللي أكتبه في (عكاظ).. ومنها بوستر (ايت مايل) لـ(امنم) ما شفت المقال؟!
وبعد أن هز رأسه مجيباً.. قلت:
- هات مية دولار وأصور لك منها قد ما تبغى؟!
فقال مندهشاً من جهلي:
- والورق يا عبدالله؟! الفلوس تنطبع على ورق خاص
هذه الحكاية تذكرتها.. وأنا أهم بالكتابة عن المال الذي تنفقه وأنفقته (قطر) على (تمويل) قناة (الجزيرة) التي تبث دون وجود أي إعلانات.. وكان لها مراسل يبث على الهواء من أفغانستان كل تفاصيل القصف الأمريكي لطالبان مع آخر أخبار (مخابئ) الظواهري وابن لادن.. وقبلها كل تفاصيل مؤامرة ابن لادن لاغتيال (اسدامشير) كما يطلق عليه أنصاره (أحمد شاه مسعود) ثم اعتقل ذلك المراسل وسجن في إسبانيا -كما أذكر-
كل تلك المبالغ المصروفة على الجزيرة -رغم ضخامتها- لا تمثل قطرة في بحر المال الذي أنفق وينفق على تمويل الإرهاب والتطرف الإسلامي أو قادة ومحركي فوضى (الربيع العربي) وكوارثه التي حلت بكل البلدان التي اشتعل فيها. وكل هذا يتم كأن (قطر) تقدم (تمويلاً) ليس سوى دولارات مطبوعة وجه واحد مع وعد بطباعة الوجه الثاني بعد نجاح (المهمة).
وظلت أموالها تنتقل من يد ليد غير قابلة للتداول في انتظار أن تكتمل طباعة الوجه الثاني.. بعد العثور على (كليشته) إن كانت موجودة أصلاً.
وكل من بحوزته هذا النوع من أموال (قطر) يتنعم بالعيش في (وهم) الثراء.؟!
طبعا لا أحد يعلم أين اختفت (دولارات الوجه الواحد).. ولا من أين أتى الوهم الذي انتشر لترويجها.. أو من يقف خلفه وإن كانت فكرتها - بشكل عام- تذكرني بإنسان طيب وبسيط عرفنا عليه أصدقاءنا في مصر المحروسة حين كنا نذهب معهم للسهر في (روف) فندق (اوديون) الذي يعد من الأماكن القليلة التي لا تغلق ليلا ولا نهاراً.. في (وسط البلد).
فقد قدموا الرجل لنا بنوع من السخرية قائلين: -(الباشا)..!!
وبنظرة سريعة تجد أن الرجل يحاول محاكاة بشوات العهد الملكي إلى أقصى حد ممكن.. ثم ما إن يرى على الشفاه ملامح الابتسامات الساخرة حتى تأخذه عزة النفس ويقول بشموخ واعتزاز:
- انما ايه.. أنا عندي حتة (قبر) جماله ميتوصفش؟!
ومن المعروف ان في مصر (مقابر) عائلية وخاصة ومتوارثة.
وعندما تنطلق الضحكات ولابد أن تسمع أحدهم يقول:
-ما تموت يا باشا واحنا نشيعك في جنازة تتكلم عنها مصركلها.؟
فينتفض الرجل مستنكرا ويقول:
- امشي يا شيخ فال الله ولا فالك..؟!
ويمضي مسرعاً كما لو أن الموت يطارده
وفي ذات مرة سمعت نفسي أستوقفه صارخا:
- استنى يا باشا الموت في (البصرة) مش هنا؟!
فتوقف وقال بدهشة:
- الله!! منتا عارف الحكاية اهه.. انته منين..؟!
قلت ضاحكاً:
- انا من (سامراء ) عقبال املتك.؟!
ومضينا نضحك معاً.. لأن هناك حكاية في التراث العربي تقول إن رجلا شاهد (الموت) يتجول في شوارع البصرة فخاف أن يكون موجودا من أجله فقرر أن يهرب منه إلى سامراء.. وعلى الجانب الآخر تقول الحكاية إن ملك الموت عندما شاهد الرجل في البصرة اندهش.. لأن الله سبحانه أمره بـ(قبض روحه) عقب صلاة الفجر.. في سامراء وليس في البصرة..؟!