عمر إبراهيم الرشيد
تذكر بعض المصادر التاريخية أن الإمام علي كرم الله وجهه حين خرج من داره قاصداً المسجد لصلاة الفجر وإذا بمجموعة من طيور الأوز تتصايح، فأخذ خادمه يهش عليها كي تذهب فقال له علي رضي الله عنه «دعهن فإنهن نوائح»، أي أن صياحها إنما هو على مصيبة ستقع بعلم الله وقدرته، وما هي إلا ساعة حتى خرج علي رضي الله عنه من المسجد بعد الصلاة وإذا بالمجرم عبدالرحمن بن ملجم متربص له على باب المسجد فضربه بالسيف. استوقفتني هذه القصة طويلاً، أولاً أن لدى الكائنات الحية ما ليس لدى الإنسان من القدرة على التنبؤ، وهذه مسألة بحثها علماء الطبيعة فوجدوا أن لدى الأسماك قدرة على التنبؤ بوقوع الزلازل عندما يعتريها اضطراب الحركة غير المعتاد. كذلك قدرة الكائنات الحية والحيوانات تحديداً على سماع أصوات لا يستطيع البشر سماعها، ومنها ما ورد بشأنه من سماع الدواب بل مشاهدتها للجن، وسماعها لعذاب من في القبور، وعليه توصية الرعاة والعارفين من أرباب المواشي أنه في حال أصيبت دابة بالجنون مثل (جنون البقر) فإنها تساق إلى المقبرة فتعود إلى حالتها الطبيعية بعد فترة قصيرة.
مسألة أخرى يمكن استخلاصها من هذه الحادثة كذلك، وهو أن علياً رضي الله عنه لم يتطير ولا يمكن أن يكون ذلك من خلقه رضي الله عنه، ومعروف أن التطير كان شائعاً عند العرب وهو التشاؤم لرؤية بعض الطيور عند السفر أو شراء بيت أو غيره من الأمور الحياتية، علما بأن الشرع الحنيف قد نهى عن تلك العادة أو الوهم عبر الدعاء الماثور (اللهم لا طير إلا طيرك). لذا يكون السؤال، لم وكيف استشعر علي رضي الله عنه قرب وقوع أمر جلل؟. شخصية بهذه الصفات من صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم وقرب له نسباً وخلقاً، وشجاعة ومروءة وصفاء نفس وحكمة، تكتسب من الشفافية والفراسة واستقراء المستقبل القدر الوافر، وكونه صديقاً وبحر علوم فهو على مقربة من النبوءة وإن لم يكن نبياً، وهذا سائر على الحواريين والصديقين مع كثير من الأنبياء عليهم السلام. لذا ما حدث - على ما أوردته تلك المصادر - يعد في رأيي من خوارق الشعور لايؤتاه كل البشر، وبالطبع يأتي هذا ولدى علي علم بنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم باستشهاده ووصفه عليه السلام لها كما ورد في السنة الشريفة.
أما المسألة الثالثة فهي استشهاده رضي الله عنه بالاغتيال الغادر من قبل الخارجي عبدالرحمن بن ملجم المرادي والذي كان أحد الحفاظ، لكنه الغلو والنفس الملتوية المريضة والفتنة، فليس كل من حفظ آيات من القرآن أو اعتاد المساجد قد عرف جوهر الدين وأدرك مقاصد التنزيل الحكيم، وهذه الحادثة كأنها تشرح أحوال خوارج العصر وبعض الفرق التي ضلت الطريق المستقيم. التاريخ استاذ عظيم لمن قرأه بتمعن، صحبتكم عناية القدير.