د.سالم الكتبي
لا يحتاج التعرف إلى الصورة الذهنية للعرب لدى شريحة كبيرة من الرأي العام الغربي إلى دراسات واستطلاعات، فلم يطرأ تغيير كبير على ما هو معروف عن هذه الصورة من تشوهات ونماذج مقولبة ناجمة عن حملات دعائية ممنهجة، أو ممارسات وأخطاء سلبية يقع فيها العرب أنفسهم.
ولقد تابعت في الفترة الأخيرة بكل أسى جرائم الجماعات والتنظيمات التي باتت تنتشر في دول غربية عدة وتقوم بأفعال إجرامية ضد المسلمين بشكل عام والعرب منهم بشكل خاص، وهي نزعة تقتات على أخطاء سياسية وممارسات إرهابية متطرفة ترتكبها قلة قليلة جدًا لا تكاد تُذكر، ولكنها محسوبة على أمة يبلغ قوامها أكثر من مليار وربع المليار نسمة.
ووسط هذه الحملة المغرضة، التي تبعث على الأسي، قرأت عن مأساة مروعة شهدتها ولاية ماساتشوتس الأمريكية، لقي فيها مبتعثان سعوديان مصرعهما غرقًا خلال محاولتهما البطولية إنقاذ طفلين أمريكيين في نهر شيكوبي ويلبرهام.
لم تلق هذه التضحية البطولية التي قام بها المبتعث السعودي ذيب اليامي البالغ من العمر 27 عامًا، ويدرس في جامعة «هارتفورد» في السنة الرابعة في تخصص الهندسة، وابن عمه جاسر الراكة (25 عامًا)، الذي انتقل إلى جامعة «نيوانجلاند» الغربية الخريف الماضي لدراسة الهندسة المدنية، لم تلق ما تستحق من اهتمام وسائل الإعلام العربية، ولم يسمع بها معظم مرتادي وسائل الإعلام الاجتماعي في ظل انشغال الجميع بأخبار مباريات كأس العالم بروسيا وتزاحم الأحداث والتطورات.
هذه التضحية تمثل صورة نمطية إيجابية للخليجيين والعرب عموماً، ومثلما يعرف الإعلام الغربي أن بيئتنا أنتجت أشخاصًا مثل زعيم القاعدة «أسامة بن لادن»، فعليه أن يعرف أيضاً أن البيئة ذاتها تنتج أشخاصًا مثل البطل الشهيد ذيب اليامي، الذي ضحى بنفسه من أجل إنقاذ طفل من الموت وهو يصارع الأمواج.
لا أقصد بطبيعة الحال المتاجرة بتضحية البطل السعودي الشهيد، ولكن نشر الحقيقة مطلوب في مثل هذه الحالات، وكما تنتشر الأفعال المسيئة بسرعة البرق كان علينا أن نُعرِّف الناس قدر الإمكان بأن منا من نفخر ونعتز بأنهم أبناء عروبتنا وبنو جلدتنا من أمثال هذا البطل الشهيد وابن عمه.
نحن في مواجهة نموذج حقيقي للبطولة والشهامة وانكار الذات، وعلى إعلامنا أن يقدم هذه النماذج للرأي العام، وعلينا أن نكتب عنها ونوثق بطولاتها كي يعرف أصحاب نظرية الإسلاموفوبيا وأعداء الإسلام أن هذين الشابين الشهيدين يمثلان الإسلام الحقيقي، وليس الإرهابيون من أعداء هذا الدين الحنيف.
لم يفكر هذان الشهيدان عندما قررا القفز بنفسيهما وسط الأمواج فيما قد يحدث لهما، ولم يباليا سوى بصرخات أم ترى نهاية محتومة لطفليها أمام عينيها، ولم يفكرا في ديانة ولا جنسية هذين الطفلين فهما يعرفان أنهما أمريكيان، وأنه لا مجال لهذه الحسابات في هذا الموقف الإنساني، بل فكرا فقط في إنسانيتهما وواجبهما الإنساني وما تربيا عليه من قيم أخلاقية وشهامة عربية أصيلة، فكيف لا تعرف الدنيا كلها قيمنا الأخلاقية والدينية التي تمثلت في سلوك هذين الشهيدين؟
أثق أن النسبة الأغلب من شبابنا الخليجي والعربي سيتصرف بالطريقة نفسها لو وجد نفسه في الموقف ذاته، وأثق أن الشهامة العربية باقية، وأن ما يصدر من نعرات عرقية ودينية تعادي الآخر على أفواه أناس محسوبين علينا لا تمثل سوى هؤلاء المتطرفين والإرهابيين الذين يمتلكون رؤية معادية للدين الإسلامي والقيم العربية الأصيلة قبل أن تكون هذه القيم والمبادئ معادية للغرب والآخر بشكل عام.
هناك عشرات الآلاف من الشباب العربي والخليجي يقيم في دول العالم كافة، ومن بين هؤلاء علماء وخبراء يسهمون في التطور والحداثة ومسيرة التقدم الإنساني في هذه الدول. ومن الظلم أن تلتصق اتهامات سلبية بالعرب والخليجيين في ظل وجود هذه النماذج الناجحة، وأيضاً في ظل بطولات وتضحيات نماذج مثل هذين البطلين السعوديين.