عبدالعزيز السماري
لقد أصبح القرن الحادي والعشرون أكثر تميزًا بالكوارث التي تضرب العالم العربي في مختلف أجزائه، تتقاتل القوى القبلية والعرقية والإقليمية والدينية وغيرها من أجل السلطة، بينما توحي المؤشرات بمزيد من الإنقسامات في بعض الدول العربية، كما يبقى الانشقاق التاريخي بين الإسلام السني والشيعي مثيراً للفتنة والفوضى أكثر من أي عصر مضى، وفي صورة أقرب للعصور المظلمة في التاريخ الإنساني..? يجلد العرب أنفسهم كل يوم بسبب السؤال الأكثر تكراراً: كيف وجد أصحاب التراث الثقافي الرائع أنفسهم الآن في وضع أقرب للجحيم، فقد ناضلوا من أجل استقلالهم وماضيهم التليد، لكنهم فشلو بعد ذلك فشلاِ ذريعاً في اللحاق بركب الإنسانية والتطور في مختلف المجالات..?.. لا شك أن التحديات في الواقع العربي كثيرة، لكن في أوج هذا البؤس هم في أمس الحاجة إلى مواجهة أربعة تحديات أولها إنشاء دول ذات سيادة ذات مؤسسات وطنية فاعلة، وتعتمد على مواطنين متعاونين، وتقوم على مبادئ المصداقية والشفافية وثنائية الحقوق والواجبات، ويصاحبها تجاوز ضروري للشعارات الزائفة ودعايات الزعيم الذي لا يُقهر، والاعتماد على البرامج التنموية مع أقل دعاية إعلامية ممكنة.. فالعمل يحتاج إلى شيء من المثابرة والإصرار.
ثانيهم: تطوير القدرة على إنتاج المعرفة والتكنولوجيا، وتشجيع وتوثيق براءات الاختراع وحفظ حقوقها، بعدما أصبحت في القرن الجديد مصدراً أساسياً في الاقتصاد المعاصر، مما يضمن لها مكانة تنافسية في الاقتصاد العالمي، فالعالم يتطور في وتيرة متسارعة، ويقوم على تطوير الإنتاج من مختلف المصادر، ولديهم فرصة ذهبية، فهم يملكون في هذا العصر المواد الخام، وهو ما لا يملكه الآخرون، الذين حققوا المعجزة الاقتصادية والإنسانية في بلادهم.
ثالثها: التعامل مع الإسلام بطريقة من شأنها أن تغرس قيمًا لجمع المجتمع معًا.. مثل: الهوية المشتركة والتضامن، ونبذ الفرقة والتناحر، لكن مع تحييد العناصر العنيفة التي تخطط وتسعى لاستعادة طرق الماضي في الحكم والسلطة، ويحتاج هذه الشيء إلى استثمار هائل في التعليم والعمل، وذلك لخلق نوع من القطيعة مع ثقافة الغزو والغاب وقفز الحواجز من خلال العنف والإرهاب.
أما الشرط الرابع: فهو التخلص من أثار الناصرية والبعثية الثورية في المنهج السياسي والاقتصادي، فقد فشل ما يطلق عليه بالاشتراكية العربية، والتي كانت شعاراً للتفتيش في عقول الناس وإخراجهم من الوطنية لأدني سبب، والوطنية حق مشروع للجميع، وليس هبة أو منحة، فقد كانت الدولة في زمن القومية والبعثية العربية تقوم على البحث عن العدو في مواقف وكلمات الآخرين، ومع مرور الزمن تحول الجميع إلى أعداء للدولة، مما أدى إلى تقويضها، وتحويلها إلى جهاز أمني حديدي وسجن كبير، وكانت نهايتها الخراب الكبير فهو أمر حيوي من أجل الوصول إلى أهدافهم التنموية.
خامساً: وهو التخلص من النفوذ الاستعماري الجديد ومشاركة القوى العظمى لثرواتهم، والوصول إلى قناعة راسخة مفادها أن القوى العظمي لا تهتم إلا بمصالحها فقط، ولكن لا يعني ذلك القطيعة، فالمصالح قد تتقاطع، وذلك أمر طبيعي في حياة الدول، لكن تبقى مصلحة الوطن تأتي دوماً أولاً.
آخرها: أن تبدأ مهمة تثقيفية هدفها احترام الحريات، وتقنينها من أجل حياة أفضل للأفراد، وبالتالي مساهمة أكثر إيجابية في تنمية المجتمع، فالواقع العربي اليوم مختلف جداً، وكان خطأ بعض القادة الواضح أنهم اعتقدوا في هذه المنطقة أن المجتمعات يجب أن تكون ضعيفة، وأن تكون الدول قوية النفوذ وذات قبضة حديدية، وتبين بعد خمسة عقود أن أنظمة التخويف والتنفيذ لا تعكس القوة، بل تمثل ضعفها الباطن وهزيمتها الداخلية.