لبنى الخميس
لم يتوقف الأمر على الاستثمار في سوق الكتب، بل فكرت العلامات التجارية الكبرى في توسيع استثمارها في سوق الملل وبورصة تبديد الوقت، ليتحول الانتظار الطويل إلى مصدر دخل وفير للسوق الحرة الذي يتجاوز حجم مبيعاته عالمياً 60 مليار دولار. ففي سيكولوجية المسافرين هناك ما يعرف (بالساعة الذهبية) وهي تلك الدقائق الممتدة من لحظة عبورك نقطة التفتيش وإلى موعد صعودك الطائرة، وسميت بهذا الاسم لما تدرّه على جيوب كبار المستثمرين من عملات عالمية متنوعة.
مع مرور الوقت.. خرجت المطارات عن أدوارها الروتينية كنقطة اتصال بين المدن والعالم.. فتارة هي متاحف مفتوحة.. وتارة هي حدائق غناء، وتارة هي مساحات للتأمل والاسترخاء، فمطار شيفول في العاصمة امستردام المطار يعد من أكثر المطارات اهتماماً بالبعد الفني والجمالي، إذ تجمل صالاته أعرق الجداريات لأشهر الرسامين الهولنديين من أمثال «ميرميه»، بالإضافة إلى أشهر فناني العالم في الفن التشكيلي، ومن هنا أطلق عليه المطار «الروماني» لجماليات اللوحات المعروضة فيه.
أما مطار تشانغي في سينغافورة فيعد الأجمل عالمياً إذ يضم مسابح، وصالات سينما، وحديقة ضخمة تمتد على خمسة طوابق تضم 1000 نوع من الفراشات.
ومن طرائف مطارات العالم.. أنه بالرغم من قواعد وقوانين مطار جينوا في إيطاليا التي تفرض على المسافرين حداً معيناً من السوائل المسموح بنقلها، ينحاز المطار إلى صلصة البيستو الإيطالية العريقة ويخصص لها جهاز مسح أمني خاص ويسمح للمسافرين بنقل الكميات التي يريدونها منها دون غيرها في تعبير فريد من نوعه عن الاعتزاز بالإرث الثقافي الإيطالي.
أما مطار دبي الدولي الذي يعد ثالث أكثر مطارات العالم انشغالاً.. فتجاوز طموح القائمين عليه حدوده العمرانية.. إذ غرد الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي قبل سنوات في تويتر قائلاً: جاؤني قبل فترة بمخططات لتوسعة مطار دبي.. فقلت لهم لا أريد مطارا لدبي بل أريد دبي أن تكون مطارًا للعالم، وصلت الرسالة وتغير التفكير.
أخيراً.. واجهت صعوبة في كتابة السطور الأخيرة لهذا النص فتوجهت إلى المطار.. عازمة على الإجابة على سؤال وحيد ظل يشغلني.. هل المطار مكان أم حالة؟ نقطة فراق أم التقاء؟ فرح يوحي بالبدايات الجديدة أم قلق ينذر بانتهاء رحلة ما.. تأملت في وجوه المسافرين.. باحثة عن إجابة شافية.. فأربكتني ملامحهم أكثر.. فأدركت أن المطار لا يشكّل تجاربنا.. ويصيغ حكاياتنا.. بالرغم مما يحمله من معنى وشعور.. نحن من نمنحه مجّده وتأثيره.. بفضولنا لسبر المجهول.. وشوقنا لاستقبال الغائب.. وارتياحنا لمحادثة الغريب.. وشغفنا لاكتشاف العالم على بعد أعتابه.