ياسر صالح البهيجان
من يسعى للبحث عن إبرة في كومة قش ملقاة داخل غرفة مظلمة حتمًا سيجد طريقه إليها، لكن بعد أن يستنفد وقته وجهده، وقد يُعذر إن كان التيار الكهربائي لا يصل إلى تلك البقعة القاتمة، أما إن كان بحثه المضني جرى وبالقرب منه مفتاح الإضاءة فحينها لن يُقبل عذره ولو غلظ الإيمان.
لا تزال معظم الجهات الخدمية في مجتمعنا تبحث عن تلك الإبرة، وما إن يجدها المسؤول حتى يأتي آخر ويلقي بإبرة سابقه بحثًا عن أخرى في ذات كومة القش المشؤومة تلك، لذا يظل السكان ساخطين على تردي مستوى الخدمات بينما من بيده صنع القرار انشغل عن شكواهم ببرامج جديدة ومبادرات تحسب لصالحه، ظنا منه بأن الإنجاز لا يأتي إلا بتقويض البنيان القائم وتشييد آخر.
لو اكتفى المسؤولون بأول إبرة وجدها زميلهم لمضينا قدما نحو آفاق جديدة، وهذا ما يعنيه حقًا مصطلح تراكمية التجربة البشرية التي لولاها لاستمر الإنسان الحديث يرسم النقوش على الكهوف كما كان يصنع أجداده البائدون.
الاعتقاد بأن المجد الشخصي وسيلة للبقاء في المنصب لم يعد صالحًا في ظل حجم الطموحات المجتمعية التي لا تقبل إلا بما يقوله الواقع من تطورات وتحسن في مستوى الخدمات.
وأظن بأن السبيل الوحيد المفروش بالشوك في أغلب الأحيان هو الاستماع لما يؤرق الناس، والإحساس بحجم معاناتهم، والإيمان بأن خدمتهم هي الغاية الرئيسة من الجلوس على الكرسي الفاخر، رغم أن الإحساس والإيمان وحدهما كافيين لإحداث التغيير، فبيتهوفن كان أصمًا لكن صممه لم يمنعه من أن يتبوء مقعدًا خالدًا في تاريخ الموسيقى.
والمفكر الراحل غازي القصيبي كان يقول «من لعنات المنصب أنه كلما ارتفعت درجته كلما انخفضت درجة الصراحة عند المتحدثين إلى شاغليه»، ولعله لم يقصد شبكات التواصل الاجتماعي التي جعلت المتحدثين لا يأبهون بالمنصب وصاحبه، لذا لم يعد غياب الصوت الشعبي لعنة لدى المسؤول، لكنه هذه المرة قد يستمع للعنات والشتائم إن لم ينجح في كسب رضا الجمهور.
وأسوأ تبرير قد يطرحه المسؤول عند سماعه لأي تذمر شعبي هو قوله إن الناس تجهل الصعوبات والعراقيل، ولا يكلف نفسه عناء إيضاح تلك العوائق للمجتمع، وأجزم بأن المواطن إن أدرك الصعوبات سيلتمس العذر، ولكن إن ظل مغيبًا عن بعض الحقائق فمن حقه أن يعبر عن رأيه وفق ما لديه من معلومات ومن حقه أن يسخط ويتذمر.