إبراهيم عبدالله العمار
في يونيو من عام 2018م نَشَرت مجلة علمية متخصصة في الشيخوخة خبراً غير متوقع: النوم الطويل السليم يمكن أن يحمي من الخَرَف. أتى هذا بعد دراسة على مئات المسنين اليابانيين، ويظهر لنا أهمية النوم السليم المستمر، ومن المهم تجنّب ما يخل بالنوم مثل الإفراط في الكافين، لكن اضطراب النوم ليس سببه دائماً اختيارياً كالقهوة وقت الليل، فالقلق والاضطرابات النفسية تعسّر النوم، وهناك كذلك أسباب وقتية مثل من يسافر كثيراً للمناطق البعيدة فيختل نظام نومه وتضطرب ساعته الحيوية ويحتاج بعض الوقت لتتعدل الساعة الداخلية وينام براحة، وهذه الساعة الداخلية لها وظيفة هامة وهي إفراز هرمون اسمه ميلاتونين، ومهمة هذا الهرمون تنظيم النوم، ويحاول إلزام الجسم بتوقيت معين، فيُفرَز هذا الهرمون المساعد للنوم بدءًا من منتصف المساء ويظل مرتفعاً معظم الليل، حتى إذا ظهرت الشمس بدأت ينحسر.
صعوبة النوم مشكلة حقيقية، وما يزال البحث جارياً عن دواء للأرق، ورغم أن هناك أدوية كثيرة تزعم أنها تساعد على النوم إلا أنها لا تخلو أبداً من مضاعفات وآثار سلبية، وحتى أفضلها يضر إذا أُخِذ لفترات طويلة، ولهذا بدأ علم النوم ينتشر الآن، ففي السابق كانت العيادات التي تعالج مشاكل النوم في العالم ضئيلة العدد لا تكاد تُذكَر، أما اليوم فهناك مئات المراكز الطبية حول العالم التي تخصصت في التعامل مع مشكلات النوم خاصة مع إدراكنا الآن أكثر مما مضى عن أهمية النوم وأنه أعقد مما كنا نظن، لا سيما وأن قلته تضر الناس بل تقتل، فالذي لا ينام قد يقود السيارة أو جهازاً ضخماً ويفقد سيطرته عليه ويصيب غيره، والكثير من الوفيات والإصابات التي تحدث كل يوم سببها قلة النوم، لكن مع تطور العلم بدأت الأمل ينمو، ومنها تجارب في جامعة واشنطن اكتشفت أن أجزاءً معينة من المخ هي التي تجعلنا ننام، ذلك أن تلك الأجزاء تعمل أكثر أثناء اليقظة وتبدأ في إفراز مادة تتكوم في خلايا المخ، وفي نهاية اليوم إذا اتجهت لفراشك فإن تلك المادة هي التي تدفعك للنوم.
مما يثير التشويق أن هذا يعني أن أجزاءً من المخ تظل واعية أثناء النوم، وهذا يفسر أشياء كالمشي أثناء النوم، ذلك أن الشخص يحرك يديه وقدميه بتناسق ويمشي بتوازن وهو غائب عن الوعي تماماً! هذا الاكتشاف يمكن أن يساعد في استخدام تلك المادة المفرَزَة لصنع أدوية تعالج الأرق وبعض اضطرابات النوم، والتي نتمنى أن تظهر قريباً جداً.