سعود عبدالعزيز الجنيدل
تعودت طوال أيام حياتي، أن تكون اللغة الدرع الذي أتتمرس به، فهي بمثابة الحصن المنيع الذي يصد الهجمات، وفِي الوقت ذاته، يشن هجوماً مضاداً على الخصوم، فهي وبلا أدنى شك رهاني الأول الذي لا أحيد عنه.
فكما هُو معتاد، ومعروف بين جيل الشباب، «خصوصاً جيلنا» الدخول في نقاشات وجدالات في مواضيع شتى، كنت لا أقتحم أياً منها، انتظر الآخرين لكي يحاولوا اقتحام حصني المنيع، ومرتعي الواسع، عندها أحكم عليهم الخناق، ويصبحون تائهين، لا تسعفهم مهاراتهم اللغوية المحدودة.
نعم هذا هو ديدنني.. لا أناقش ولا أجادل إلا في فني الذي عرفته، متمثلاً بالمقولة «من تكلم في غير فنه، فقد أتى بالعجائب».. ومازلت أنهل من هذا الفن يوماً بعد الآخر؛ وكنت أرى أنه -هو- قدري، وفني الذي أحسنه، ولا أريد مهارات أخرى، لاعتقادي أن اللغة بكل مهاراتها المختلفة كافية، وشافية، ومغطية كل الاحتياجات.. ولكن هيهات هيهات أن تكون كذلك بالنسبة لي.
هذه الحقيقة التي ظلت تتوارى عني، وكأنها لا تريد مني معرفتها، خشية عليّ، أو لأمر آخر لا أعرفه، كل ما اكتشفته حتى الآن أن إتقانك لفن واحد، ومهارة واحدة قطعاً لا تكفي. ولكي أكون صادقاً، هذا الأمر ليس سهلاً، فأنت حينما تترك مهارتك التي عرفت بها، أو لنقل تجمدها برهة من الزمن، وتشرع في إتقان واكتساب مهارة أخرى، مهارة سبقك أناس كثر، وأنت تعد مبتدئاً مقارنة بهم، وسلاحك الذي عرفت به -اللغة- «معطل»، هذا أمر يصعب على النفس تقبله، ولكنه تحدٍّ يجدر بالنفس خوض غماره.
وكما هو متوقع ممن يسير بهذه الفلسفة، أن يتلقى الكثير من الصدمات، والعقبات، والسقطات، ولكن كل هذا لا يهم في شيء، إذا حصلت الصدمات، فليمتصها، وإذا صادف عقبات فليتجاوزها، وإذا سقط فلينهض، مرة، ومرة، ولا ييأس من كثرة السقوط، ولا يرم المنديل أبداً.
وفِي نهاية هذه المضمار، مضمار التنافس، سيكون هناك -بإذن الله- أكثر من درع أتتمرس به، وأتنقل بين هذه الدروع، التي تجعل من المرء شخصاً قوياً لا يشق له غبار، وهذا ما عاهدت به نفسي، متسلحاً بالله، ومتذكرًا قوله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ}.