عام وبضعة أشهر على رحيل الأم الحنون والصدر الرؤم (سارة بنت عبدالرحمن الغريبي)، التي تولت تربيتي مع شقيقتي التي كانت تكبرني بسنة ونصف السنة وأنا في عامي الأول بعد وفاة أمي نورة بنت عبدالرحمن الموينع -رحمها الله- في عز شبابها (34 عاماً)..!! وتركتني في شهري السادس، وأحسنت التربية ولم تكن تعاملنا إلا بمثابة أبنائها، فقد احتسبت هذا العمل لوجه الله وهي تربي طفلاً رضيعاً وطفلة في عامها الثاني والنصف أشبه بالأيتام، حيث شكلت هذه المرحلة البنائية لنا ملاذاً عاطفياً ووجدانياً ونفسياً وتربوياً، فكانت -يرحمها الله- رمزاً للعاطفة والحب والحنان والإحسان والقيم الإيمانية الفضيلة. هذه المرأة السلفية الصالحة.. كانت -غفر الله لها- أمي التي لم تلدني، نعم كانت بقلبها الكبير وعواطفها الجياشة امرأة كريمة.. سخية.. بسيطة.. متواضعة أحبها كل من عرفها عن قرب، سواء داخل نسيجنا العائلي أو خارج محيطنا القرابي, غير أن رحيلها ترك في القلب لوعة، وفي النفس حسرة، وفي نبرات الصوت غصة.. ولا نقول إلا إنا لفراقك يا (أم سلطان).. أم الحنان والإحسان لمحزونون.. وعزاؤنا في هذا الفراق العظيم أن فقيدتنا الغالية كانت امرأة صالحة صبرت على مرضها طويلاً ومع شدة السقم والمرض والابتلاء كانت مدرسة من الصبر والاحتساب والإيمان لقضاء الله وقدره.. لم تفارقها الابتسامة والبشاشة عندما يزورها الأبناء والأقارب وكل من أحب هذه المرأة الصالحة.. ولأن الإيمان.. وكما يقول طبيب القلوب الإمام (ابن القيم) -رحمه الله- نصفان.. نصف شكر ونصف صبر، فقد كانت الأم الراحلة كثيرة الشكر والحمد في كل حال.. ومتمسكة بحبل الصبر المتين بالذات مع بداية دخول المرض العضال جسدها الطاهر قبل ما يزيد على ثمانية أعوام.. وبعد أن تمكن المرض منها ونقلها للجناح الشرقي بمستشفى التخصصي للأورام ودخولها للغيبوبة في أيامها الأخيرة.. كانت ومن نعمة الله وفضله عندما تفيق للحظات تذكر فيها الله وتستغفر وتكثر من الحمد، وقلبها الكبير التقي كان معلقاً بالصلاة والذكر والاستغفار.
أسأل العلي القدير أن يجعل ما أصابها تكفيراً للخطايا، وتمحيصاً للذنوب، ورفعه لدرجاتها.. اللهم إن أمي (سارة) في جوارك فأكرمها بكرمك وارحمها برحمتك.. وارزقها الفردوس الأعلى من الجنة بغير حساب ولا عذاب.. فأنت الكريم الرحمن.. المنان.. الرحيم.. وأخيراً نقول: إن العين تدمع والقلب يحزن على فراقك.. يا أم الحنان والإحسان (أم سلطان).. وها هي الأيام تمر والشهور تنطوي.. وذكراك العطرة وحنانك الأمومي الذي احتوى طفولتي ما زال حاضرا في النفوس والوجدان.. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا الحليم.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- خالد الدوس