«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
قطاع الألبان ليس مجرد منتج غذائي، ولكنه يشكِّل قطاعًا غذائيًّا واستراتيجيًّا، يأتي على رأس قطاعات ومنتجات الأمن الغذائي الوطني. ومن جانب آخر، تعد صناعة الألبان ضمن أهم صناعات القيمة المضافة للدخل الزراعي المحلي؛ وبالتالي أهميتها النسبية في الدخل المحلي الإجمالي، فضلاً عن دورها الكبير في تشغيل العمالة، ومن ثم الحد من مشكلة البطالة نظرًا إلى كونها من الصناعات كثيفة العمالة نسبيًّا. وبفضل الدعم الحكومي تمكَّن قطاع الألبان من تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل تمكنت الكثير من منتجات الألبان من اختراق العديد من الأسواق الأجنبية منافسة في الجودة الأعلى والسعر الأقل. ومنذ سنوات طويلة كانت أسعار الألبان مُرضية للمواطن العادي، لدرجة أن الألبان أصبحت منتجات دائمة ضمن الوجبات السعودية الشهيرة.
ارتفاع سعري منفرد.. بلا مقدمات
أقدمت إحدى شركات الألبان السعودية الكبرى على رفع أسعار منتجاتها 10 % بدءًا من الاثنين الماضي؛ ليزداد سعر عبوة الحليب اللتر من 4.25 إلى 4.5 ريال، وسعر عبوة اللترين إلى 8 ريالات بدلاً من 7.5 ريال. فضلاً عن رفع أسعار عبوات أخرى ليست منتشرة بين جمهور المستهلكين. والأمر المستغرب أن هذه الشركة هي كبرى شركات الألبان تقريبًا، وهي الأعلى تصديرًا، وهي الأعلى قدرة على استيعاب أي ارتفاع في نفقات التشغيل أو التكاليف عمومًا.. فكيف بنا إذا أقدم الكبير على رفع أسعاره متعللاً بارتفاع نفقات التشغيل؟ كيف بالشركات الصغيرة وبضَعْف إمكانياتها، والأهم في ظل ضيق معدلات إنتاجها.. كيف ستكون ردة فعلها لزيادة أسعارها؟!
فحص مبررات ارتفاع أسعار المدخلات
بيان الشركة يشير إلى ارتفاع بعض منتجات الألبان نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج المتمثلة في الطاقة والنقل واستيراد الأعلاف والأيدي العاملة. وفي هذا السياق توضح وحدة أبحاث الجزيرة ما يأتي: أولاً: إن المنتجات التي تم رفع أسعارها تكاد تمثل المنتجات الأعلى طلبًا بالسوق من بين منتجات الشركة. ثانيًا: إننا نعتقد أنه تم اختيار هذه المنتجات اعتقادًا بأن المستهلك لن يدرك حجم الزيادة الطفيفة، ومن ثم يمكن تثبيت زيادة سعرية قدرها 10 %. ثالثًا: إنه تم الابتعاد عن العبوات الصغيرة مؤقتًا؛ لأنها تثير المستهلك البسيط الذي يشكل غالبية السوق؛ وذلك لتسهيل تمرير الزيادة. رابعًا: ليس من المقبول افتراض حدوث زيادات جماعية في معظم أسعار مدخلات الإنتاج لهذه الشركة جملة واحدة وفجأة، فهل من المنطقي ارتفاع أسعار الطاقة والنقل والأعلاف المستوردة والأيدي العاملة مرة واحدة؟! خامسًا: تتمثل إحدى خطوات القلق من إجراء الشركة في إقدام الشركات الأخرى على نهج الطريق ذاته بزيادة أسعارها على الأقل بالنسبة نفسها.. إلا أنه مقارنة بين حجم الشركة التي أعلنت زيادة أسعارها وأحجام غالبية الشركات الأخرى بالسوق فإن وحدة أبحاث الجزيرة تعتقد بقوة أن معدلات الزيادة في أسعار الشركات الأخرى ستكون أعلى نظرًا لتأثير اقتصاديات الحجم. سادسًا: إننا نفترض أنه على المدى القصير يمكن أن يشهد السوق زيادة بنسبة أعلى على العبوات الصغيرة، أو تقليص طرحها بالسوق. ويرجع افتراضنا أيضًا إلى اقتصاديات الحجم الصغير والكبير. سابعًا: من المهم جدًّا مراجعة معدلات النمو في أرباح الشركات التي أعلنت زيادة أسعارها؛ إذ يتضح أنها أحرزت زيادة في صافي أرباحها من 344 مليون ريال للربع الأول إلى 660 مليون ريال للربع الثاني من هذا العام. والأمر المستغرب أن قطاع الألبان والعصائر للشركة هو القطاع الأعلى ربحًا خلال الربع الثاني من هذا العام ضمن خمسة قطاعات أخرى، بعضها حقق خسائر، مثل قطاع منتجات المخابز.
كم حجم الدعم الحكومي في تكلفة الإنتاج؟
تشير إحدى الدراسات الحديثة إلى أن إنتاج لتر حليب طازج يحتاج إلى 45.6 % تكلفة حليب خام، و25.6 % للتسويق، و22.4 % تكلفة تصنيع، و6.4 % مصاريف عمومية. والسؤال: ألا تقدم الحكومة دعمًا حتى وإن كان خفيًّا لإنتاج قطاع الألبان والحليب؟ تعتقد وحدة أبحاث الجزيرة أن الإجابة بـ«نعم»؛ تقدم الحكومة دعمًا كبيرًا، ولا يزال مستمرًّا، خاصة إن تطرقنا إلى المياه فقط، فما بالنا بأن جزءًا كبيرًا من منتجات القطاع يتم تصديره إلى خارج المملكة؟!
وتعتقد وحدة أبحاث الجزيرة أن الألبان -وخصوصًا الحليب الطازج- ليس منتجًا عاديًا، ولكنه منتج قيادي في جزء كبير منه، ويستطيع أن يقود أسعار مجموعات سلعية أخرى؛ لذلك نتطلع إلى استقرار أسعاره؛ وبالتالي نتمنى أن تراجع شركة الألبان أسعارها من جديد؛ حتى لا تحدث خلخلة في أسعار سلع أخرى عديدة مرتبطة.