د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
الفصل الأول: بين الكتابة العادية والكتابة الصوتية
بدأ بالحديث عن مشكلات الخط العربي حسب قول الباحثين ومنها خلوه في معظم المطبوعات من الحركات، وتقارب أشكال الحروف التي يختلف بعضها عن بعض بعدد الحروف، وهذا الذي يذكره أستاذنا سبب كثيرا من التحريف في المخطوطات والمطبوعات، ومن المشكلات تعدد شكل الحرف الواحد فله في بداية الكلمة شكل يختلف عنه في وسطها أو نهايتها أو في إفراده كما في الهاء (هذه والدته يهتم بها)، وأشار إلى جملة من الطرائف تقع بسبب أخطاء الكتابة وغياب الحركات.
وبسبب من غياب الحركات يضطر القارئ إلى الاعتماد على السياق ليحسن القراءة، وربما أقحمت في النص ما ليس من فكرته؛ ولكنه يوضح الكتابة، مثل جمع كذا أو مفرد كذا ونضطر في بعض الأسماء الأجنبية إلى كتابتها بحركات طويلة (مدود) فالسيد مَكْمِلَن يكتب ماكميلان، وذكرني ما ذكره أستاذنا بسؤال سأله الأستاذ عبدالرحمن المريعي ونحن في القاهرة لماذا يكتبون في قائمة الطعام (كلوب ساندوتش) بالواو وهي في الأصل club قلت لو كتبوها من غير واو قد تقرأ (كَلْب).
وبين أستاذنا أن الكتابة العربية بلا حركات هو نوع من الاختزال، ومثل لذلك بأن كلمة (عقد) قد تقرأ (عَقَدَ)، (عُقِدَ)، (عَقَّدَ)، (عَقْدٌ)، (عِقْدٌ)، و(عُقَدٌ)، ويكن أيضًا أن تقرأ (عُقِّدَ). وذكر قول بعض دعاة إصلاح الكتابة وهو أننا نضطر إلى أن نفهم لنقرأ بدلا من أن نقرأ لنفهم، وبين عجبه ممن عدّ ذلك ميزة للعربية كالجنيدي خليفة وفارس الخوري وكار نلينو. ونتصور خلل هذه الكتابة لو طبقت على اللغة الإنجليزية، ونقل رأي إبراهيم مدكور وهو أن في الاختزال اقتصاد وقت وورق ولكنه من أهم صعوبات الهجاء العربي.
وانتقل أستاذنا إلى الكتابة الصوتية التي استعملت الحروف اللاتينية لها، وذكر أن من النقاد من أشكل عليه أنها لا تتضمن رموز بعض الحروف العربية مثل الصاد والضاد والطاء والظاء والحاء والعين والغين والقاف، ولكنه بين أنها مشكلة وهمية؛ لأنها حلّت منذ أمد طويل، وصار المعاصرون يستعملون اللاتينية، فالرموز العربية أُحتيل لوضع رموز لاتينية تمثلها، وذلك بوضع نقط تحت الرمز اللاتيني فللصاد s تحتها نقطة، وهكذا جعل للمدود مقابلات إما بتكرار الحرف فالألف aa، والواو uu، والياء ii، أو وضع نقطتين بعد الحرف فالألف a:، أو وضع خط قصير فوق الحرف، وأنكر قول الجنيدي خليفة أن الطريقة اللاتينية لا تفرق بين الحركات والمدود، مع معرفته إمكان ذلك بوضع رموز إضافية.
ثم عاد أستاذنا إلى مشكلة تشابه الحروف العربية وما يهبه هذا من صعوبة وروى طرائف من الخطأ في كتابة هذه الحروف مثل (واستقبلت الكلبة حرم معالي الوزير)، وبين أن هذا التشابه لا يسوغ تجنبها واعتل بأن مشكلة التشابه موجودة في الرموز اللاتينية المستعملة لكتابتها، ولكن نظام كتابة العربية مجمع على افتقاره للإصلاح، وقد قدمت اقتراحات كثيرة لحل المشكلة وقد ألف مجمع اللغة العربية في القاهرة لجنة تهتم بذلك.
أما أنيس فريحة فدعا إلى إحلال الحروف اللاتينية محل العربية وفاقًا لدعوة عبدالعزيز فهمي. وردّ أستاذنا قول فهمي وفريحة لأن ذلك يقطع صلتنا بالتراث العربي والإسلامي كما قال فارس الخوري إن خزانة الكتب العربية ثروة للمدنية والثقافة القديمة كلها فاتخاذ الأبجدية اللاتينية يفقدنا ويفقد العالم هذه الثروة، ويستحيل إعادة نشر ما نشر بهذه الأبجدية، وقال أحمد مختار عمر نحو ذلك، وسعى أستاذنا بعد إلى ذكر ما يصلح نظام العربية، وبدأ بذكر خصائص نظام الكتابة المثالي، وهي أن يكون لكل صوت لغوي رمز كتابي لا يتغير شكله، والرمز لصوت لا يشاركه فيه صوت آخر، لا يجوز حذف رمز من أصوات الكلمة، ولا يكون رمزا لا يقابله صوت أو ظاهرة صوتية، فلا تقبل رموز السكون والشدة والمدة وهمزة، وتكتب الرموز متوالية في السطر صحيحها وعللها [حروفها وحركاتها]. وهذه الكتابة المثالية لا وجود لها في الكتابة المعتادة، ولهذا لجأ اللغويون إلى الكتابة الصوتية. وهنا يشيد أستاذنا بتفوق الكتابة العربية على الإنجليزية وإن لم تحقق المثالية، ورأى أن المشكلة ليست في الحروف العربية أو اللاتينية بل في أنظمة الكتابة المستعملتها. وراح يبين تعدد الرموز في الإنجليزية لصوت واحد، أو جعل رمزين معًا مقابل صوت واحد، وربما استعمل رمز واحد مقابل صوتين، وقد تستعمل كتلة من الرموز مقابل صوت واحد، وربما اختلف ذلك الصوت المقابل من كلمة إلى أخرى، وأيدّ هذه الملاحظة بقصيدة إنجليزية لمجهول يتندر بها على ذلك. وقد يكون في اللفظ صوت لا مقابل له في الشكل المكتوب، وقد نجد رموزًا مكتوبة لا تقابل صوتًا فهي تكتب ولا تنطق، وقد يكرر الرمز من غير تكرار صوته، وأتاحت هذه الفوضى فرصة لمن يريد تغيير اسمه بإضافة رموز لا تغير من النطق ولكنها تجعل المكتوب من الناحية القانونية اسمًا مختلفًا.
وأما الكتابة العربية فمخالفة للكتابة المثالية بنحو وبآخر ولكنها أقل من غيرها من اللغات مخالفة، ومن مخالفتها تعدد رموز الألف (ا/ى)، ويخالف أستاذنا القدماء في علة ذلك وهي أن الألف المنقلبة عن واو تكتب مشالة والتي عن الياء تكتب ياءًا، واحتج بتخلف هذا في الألف وسط الكلمة (قال/ باع/ رماها)، وكذلك التاء المفتوحة والمربوطة؛ لأنها تنطق هاء عند الوقف، ولكن المربوطة أيضًا تفتح في وسط الكلمة (مدرستهم)، وأما التنوين وإن يكن نونًا اختلف رسمه عنها لأنه يحذف. ومن مخالفة العربية للمثالية استعمال (و/ي) مرة حرف علة (ولد، قوْم قوَّم/ يد، بيْن، بيّن) ومرة حرف مدّ (علوم/ عليم)، ومن أهم مخالفات العربية ما ذكر سابقًا وهو غياب نصف الرموز الصوتية أي غياب الحركات في كثير من المخطوطات أو المطبوعات، ومن المخالفة إضافة رموز لا مقابل لها صوتيًّا وغرضها إرشاد القارئ مثل ألف الجماعة (ذهبوا) وهمزة الوصل (والولد/ واستقبل) والألف التي تخلف التنوين (زيدًا) وكذلك الشدة والمدة والسكون، وأضيف إليها واو (عمرو)، وفي (أولئك)، ولعلي هنا أتوقف في بعض هذا فهمزة الوصل يقابلها صوت إن بدئ بها التلفظ أو استؤنف بها، كذلك المد هو مقابل لصوتين همزة وألف أي فتحة طويلة، وكذلك تنطق الألف التي هي خلف من التنوين عند الوقف؛ بل يؤتى بها وإن حذفت في مثل ماءً فيقال (ماءا)، وهو أمر غاب عن أستاذنا ذكره، أي حذف رمز قد يقابله صوت ولو في الوقف، وأهم من ذلك حذف رمز يطرد نطقه مثل الواو من اسم أستاذنا (داود) فالرسم المطابق (داوود)، ومن المنطوق به وهو محذوف رسمه الألف في (هذا وذلك وهؤلاء ولكن) ونحوهن، ومثّل لكون رمز السكون لا مكان له بالفعل (يَكْتُبْ) فهو بثمانية رموز وبإزالة الحركات والسكون أربعة رموز؛ ولكنه من حيث الصوت ستة: ياء/ فتحة/ كاف/ تاء/ ضمة/ باء. ومن المخالفة كون الحركات فوق الحروف أو تحتها أي ليست على السطر كالحروف أنفسها بل هي تابعة لها لا مستقلة.