م. خالد إبراهيم الحجي
إن محاضن الفكر التى تسمي أو تعرف في اللغة الإنجليزية بـ(Think Tank) هي معاهد ومؤسسات وهيئات فكرية وبحثية غير ربحية يتم تمويلها بالمنح والهبات والتبرعات من أهل الخير والأوقاف وشركات القطاع الخاص والحكومات الكبرى، وتعمل بصفة مستقلة بعيداً عن تأثير أية هيئة سياسية معينة، ولا تدين لأية حكومة محددة، ولا تتخذ مواقف مؤسسية رسمية تمثلها بشأن القضايا السياسية المختلفة؛ بمعنى أن مواقفها الرسمية موضوعية وحيادية. ومحاضن الفكر العالمية تجمع بين أركانها أفضل الباحثين في العالم، وتستخدم أفضل الأدوات، والأساليب التحليلية لتطوير حلول سياسة موضوعية، وحلولاً قائمة على الحقائق وقابلة للتنفيذ تستند إلى تحليل دقيق للوصول إلى الأحكام المستقلة الصحيحة، وتقديم المقترحات الجديدة، والأفكار الفريدة، والتوقعات المستقبلية فيما يتعلق بالآفاق القصيرة والطويلة الأجل التي تغطي البحث في السياسات المنظمة لمجالات مختلفة تراوح من التنمية والصحة العامة والاقتصاد، وشؤون الحكم والإدارة الحكومية، والسياسة الحضرية الدمغرافية، والسياسة الخارجية، ويشتركون مع القطاع الخاص ومع المجتمع المدني ومع الحكومات المختلفة في إجراء الحوارات والمناقشات الخاصة والمفتوحة حول الشؤون الدولية المختلفة، وإدارة الفعاليات الخاصة والعامة، مثل: ورش العمل والمحاضرات والندوات والمؤتمرات، واجتماعات الموائد المستديرة التي يتفق المشاركون فيها على مواضيع محددة للمناقشة والحوار لكل شخص فيها حق الحرية في الرأي والتعبير في المشاركة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
وقد نشأت فكرة محاضن الفكر لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية لإيجاد وتخصيص أماكن آمنة لمناقشة الخطط المستقبلية والإستراتيجيات السياسية. ولكن معناه بدأ يتغير خلال الستينيات من القرن الماضي عندما أصبح يُستخدم في الولايات المتحدة لوصف المنظمات غير الربحية المستقلة، خاصة منظمات أبحاث السياسات، مثل: محاضن الفكر الأكثر تأثيراً في العالم التي يأتي في مقدمتها وعلى رأسها معهد بروكينجز الأمريكي، ويليه في المرتبة الثانية معهد تشاثام هاوس في بريطانيا، والمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية يأتي في المرتبة الثالثة. والتوصيات السياسية والخطط الإستراتيجية من أهم مخرجات محاضن الفكر، وهي تتم بالتعاون مع الخبراء وصناع السياسات وأصحاب المصلحة في كل مجال، وباطلاع المسؤولين الحكوميين ومعرفة المشرعين القانونيين وغيرهم من صناع القرار والآراء.
والأفكار والاقتراحات التي تنتجها محاضن الفكر في الدول الغربية لها أهمية كبيرة جداً، ولا تقدر بثمن عند الطلاب والأكاديميين والمهنيين ورجال الأعمال والمنظمات الخاصة غير الحكومية؛ لأنهم يدركون أهمية مصدرها وقوتها، وتأثيراتها في السياسات الحكومية؛ لأن الباحثين والخبراء والعلماء فيها يشكلون قوة فعالة في تحسين صناعة القرارات والسياسات العامة في تلك الحكومات، ويمثلون الأدوار المتوسعة التي تدعم البيئات الأكثر تعددية للخطاب السياسي الغربي. لذلك تحرص محاضن الفكر المؤثرة في السياسات والمجتمعات على نشر نتائج أبحاثها بصفة مستمرة عبر الوسائط الورقية والإلكترونية المختلفة، مثل: المقالات والنشرات الدورية والمجلات الفصلية والكتب والإنترنت لتصل إلى جميع المستفيدين من أصحاب المصالح، لتكون فعالة وتطبق مخرجاتها على أرض الواقع لتساعد المجتمعات في النمو والتقدم والتطور.
ومن منطلق التجربة الغربية للأدوار الناجحة المفيدة التي لعبتها المحاضن الفكرية في دفع عجلة التقدم والتنمية في الدول الغربية، تأسس في الوطن العربي عدد من محاضن الفكر تشبه محاضن الفكر الغربية وانفرد من بينها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي تأسس عام 2004م برؤية سعودية خاصة تحمل شعار (مجتمع متحاور لوطن متلاحم) ومقره الرياض، ويهدف إلى نشر ثقافة الحوار لتكون أسلوباً للسلوك العام في المجتمع السعودي على مستوى الفرد والمجتمع، وتصبح منهاجاً أساسياً ونافعاً ومفيداً في الحياة، لتعزيز الوحدة الاجتماعية، والحفاظ على اللحمة الوطنية، وترسيخ قيم التنوع والتعايش والتلاحم الوطني.
الخلاصة:
إن قوة تأثير محاضن الفكر في السياسات والمجتمعات تنبع من البحث المناسب بالشكل الصحيح في الوقت المناسب، وقدرتها على توصيل مخرجاتها البحثية إلى المستفيدين، وثقة صناع القرار بالمشورة المقدمة.