سلمان بن محمد العُمري
حب الوطن أمر فطري في كل إنسان على وجه الأرض وهذا الحب الفطري يتساوى فيه كل مواطن مهما كانت جنسيته وجنسه ولغته وثقافته وعمره، ولا عجب أن يشتاق الإنسان المتغرب لبلاده كما يحن الغائب عن أهله فتجده يحن لوطنه إذا غاب، ويقف محامياً ومدافعاً عن وطنه وبلاده بلسانه وبَنَانَه إذا لزم الأمر.
ووطنا العزيز وبلادنا الغالية ليست ككل الأوطان أبداً، فهي وإن كانت تشترك مع كل بلاد العالم في المحبة الفطرية لمواطنيها فإنها تفوقهم بخصائص عديدة أولاها أن مواطنيها لا يحبون بلادهم محبّةً فطريّة فقط بل هي محبة تنطلق من عقيدة وإيمان وولاء ديني وهو حب مخصوص يشاركنا فيه كل مسلم غيور فهي مهوى الأفئدة ومنطلق الرسالة والبلد الذي يحكم بكتاب الله -عزّ وجل- وعلمها الذي يحوي كلمة الشهادتين والتوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله وهذا التميّز في كل الأمور يجعل من محبتنا اللازمة لبلادنا أمر طبعي.
وفي كلّ زمانٍ ومكان هناك من شواذ العقل والرشد ممن يخالفون الفطر السوية والقيم الدينية والاجتماعية فلا تجد عندهم ولاء لدينهم ولا لأوطانهم وربما كان ولاؤه لحزبيّة فكريّة أو عصبيّة قبليّة أو طائفيّة مذهبيّة أو فئويّة مناطقيّة، بل ولربما تنكّر بعضهم لكل هذا فلا مبادئ لهم عند الشهوات والملذّات وكسب المال فهو يبيع دينه، وموطنه، ومبادئه نسأل الله العافية.
وضعاف النفوس والعقل والإيمان الذي يرخصون حق بلادهم ودينهم ولا مبدأ لهم سوى المصلحة ثم المصلحة إن أعطوا رضوا وإن منعوا سخطوا، لا يتوقف خذلانهم عند أنفسهم بل تراهم ينظرون للناس بطبائعهم وشهوانيتهم ويَرَوْن أن كل منافح عن دينه ووطنه وعن القيم إنما هو كاتبٌ أجير لا يكتب إلا لمصلحة وبمقابل وعندما يقبض ثمن ما يكتب، وهذه النظرة القاصرة ينطبق عليها المثل العربي: (كل إناءٍ بما فيهِ ينضح).
لقد قلت أن بلادنا يقاسمنا في حبها والولاء لها كل مسلم غيور وهناك من لديه الاستعداد أن يضحي بماله ونفسه وكل عزيز عليه للذود عن بلادنا وألا تمس بسوء فكيف نستكثر على أبناء بلادنا المخلصين المنافحين الذين يذبون عنها ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً ضد كل حاقد و حاسد أو أحمق طائش.
الوطن ليس منحاً وأعطيات وهبات وقسائم ومصالح فهو أسمى من ذلك فهو بيتنا الكبير وأبناؤه حينما ينبرون للذود عنه بدافع إيماني ثم وطني إنما يقومون بواجب ديني ووطني لا ينكره إلا جاحد ولا يتخاذل عنه إلا محروم مخذول وأعمى البصيرة.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وللأوطانِ في دَمِ كُلّ حرٍّ
يدٌ سلفت ودينٌ مستحق