محمد المنيف
زرت صديقًا يسكن في حي عشوائي منزلاً بطراز حديث واجهاته ملفتة للنظر لكنها موؤدة في ذلك الحي ومنغمسة في سوء تنظيم للشوارع ونمط البناء وإهمال في النظافة.. ذكرتني ببعض اللوحات التشكيلية الارتجالية التي ينفذها بعض مدعي الفن بأنها ضرب من ضروب المدرسة أو الأسلوب التجريدي.. فضاع فيها اللون وتناثرت الخطوط وتبعثرت المساحات وتاهت الكتل وتشتت الفراغ.. بلا فكرة أو بناء يسر الناظر بل عالم من العبث.. والعشوائية.. والنشاز، تجد التصفيق والتمجيد ممن لا يعي الفن أو يملك القدرة على تمييز الغث من الثمين.. يجاملون حتى لا يتهمون بالجهل.. دون علمهم أن اللوحة لم تكن جزءًا من الفنان الحقيقي الدالة على رقي إحساسه وأمانته مع ما يقدمه لجمهوره..
كل ذلك جهل من أولئك العابثين بالفن بمفهوم الحداثة التي أصبحت تخرج عن نطاق حبك العمل وخدمته فجعلوا منه شخبطة وارتجال دون تحضير مسبق مبني على خبرات وتجارب كما مر بها رواد الفن وعباقرته على مستوى العالم الذين تدرجوا من مرحلة إلى أخرى تهتم بالقيم والتوازن التي يتطلبها العمل الفني مهما كان الأسلوب (تجريديا أو انطباعيا) فهم يصنعون خطوات العمل مؤطرة بفكرة أو مضمون حتى لو لم يكن ظاهرًا مباشرًا للرائي فبناء العمل الصحيح يقرب إلى ما وراءه.. فهم بهذا التخبط شوه الهواة المعارض وأساءوا لها وزاحموا أصحاب المسار والمسيرة أصحاب المواهب المدعمة بدراسة أكاديمية أو قدرات مكتسبة استكملت بالاطلاع والثقافة والممارسة الجادة وليست حسب الطلب أو الصدفة.
يدعي أولئك (المشخبطين) كما يصفون أنفسهم ويصفهم الآخرون بأن ما يقومون به نتيجة انفعال وردود فعل لحظة تنفيذ العمل، ونحن نقول لهم إن هناك من الفنانين العالميين من وصوفوا بالجنون لكنهم أبدعوا في توظيف حالات تفاعلهم.
الواقع يحتاج وقفة صارمة لتعديل مسار الفن التشكيلي ولتكن بالتصنيف وإعطاء كل أساليب حقها وليكن لهؤلاء معارض تمنحهم فرصة تقديم هوسهم الفني لإرضاء جمهورهم إن كان لهم جمهور بمسمى (فن الصدفة) أو معرض (الفن المرتجل) حتى لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم.