د. نايف بن عبدالله بن دايل
في عام 2016م خاض المرشح الرئاسي السيد ترمب الانتخابات الأمريكية ضد السيدة كلينتون في جو تنافسي حاد، كثيراً ما نفض عنه لياقة التحدي ومجاملات التعاطي. كلٌ من المرشحين استخدم ما بوسعه للتقليل من فرص فوز خصمه وإثبات عدم أهليته لقيادة الدولة العظمى. في خضم تلكم الأحداث، ذكر السيد ترمب أن هيلاري لا تبدو عليها ملامح الرئاسة، وطرح شكوكاً حول إمكانية تقبُّل كبار القادة العسكريين هيلاري كرئيسةٍ لهم.
ومع ما تمخّضت عنه تلك التجربة من فوز للرئيس ترمب، تجدّد هاجس وجود بعضٍ من التحيّز والتمييز ضد قدرة المرأة على القيادة. إذ إن التحيّز هو رأي شخصي خالٍ من التجربة، أما التمييز فهو التعامل غير العادل بناءً على التحيّز. ولقد أظهرت الدراسات بأنهُ على الرغم من تلاشي كلتا الصفتين في مكان العمل بأمريكا، إلا أنها مازالت باقية بما يتعلق بتقلد المرأة للمناصب القيادية. ويبرز ذلك على الأخص في جوانب العمل السياسي والصحي العالمي، حيث قطعت المرأة شوطاً لا بأس به بقيادة القطاعات الأخرى التعليمية والمجتمعية والثقافية. لاسيما وأن عدة دراسات أثبتت فعالية القيادة لدى الجنسين بدون أي فروقات إحصائية فيما بينهم.
إن ذلك التشابه لا يتنافى مع حقيقة تمايز الجنسين المثبتة في الذكر الحكيم (وليسَ الذكرُ كالأنثى). فمجال البحث بالفروقات إنما هو لتحييد ما هو طبيعي وفطري، وتفنيد ما يتطلب الإصلاح والتمكين. فلقد بينت الدراسات بأن المرأة وحتى في المجتمع الأمريكي ذاته، تستهلك يومياً من الوقت في أعمال المنزل قرابة ضعف ما يقضيه الرجل. وهي أكثر عرضة لإًصابات العمل مع زيادة ساعاته مقارنةً بنظيرها، ناهيك عن الارتباط بإجازات الوضع والأمومة، أو رعاية المسنين.
كل ذلك يثبت خصوصية احتياجات المرأة وتميزها عن الرجل. بالمقابل، هنالك معيقات مجتمعية يرجى تذليلها كنمطية ربط حدّة الشخصية مع القياديات، تحصيل مرتب أقل لذات عمل الرجل، والميل لإسناد الوظائف غير المتطورة للسيدات.
إننا حين نذكر ذلك فلا نفعله طلباً لرضى طائفة أو تقرباً لثقافة. وإنما نذكره لتبيان أن للمرأة فضاء أكبر من أن يحد بتعليق، أو يختزل بتجربة. فهي أجدر بالتحدث عن نفسها وتحقيق ذاتها وفقَ ما ترتضيه بحدود الشريعة والدولة، تماماً كما الرجل. ولنا في تجربتنا بالمملكة الحبيبة خير برهان. فلقد تقلدت السيدات مهام متقدمة منذ عقود في التعليم والرعاية الصحية. وتم تتويج ذلك أخيراً عام 2013م بمشاركتها التمثيل بمجلس الشورى بما نسبته 20 % من مقاعد المجلس. تلا ذلك ما نشهدهُ في عهد خادم الحرمين الشريفين من تعيينات للمرأة بالمرتبة الممتازة، وقيادة قطاعات حيوية تمس المرأة في العمل والتعليم والرياضة والمجالس البلدية.. حيث أثبتت من خلالها المرأة السعودية توفيقها ما بين المشاركة بالتنمية المدنية، والتمسك بالقيم الدينية والمجتمعية.
في عام 1984م نشرت نورا فرينكايل مصطلح «السقف الزجاجي». وتشير بذلك التعبير للتحديات غير المرئية التي تواجه المرأة بعد توليها مناصب القيادة المتوسطة وتعيق تخطيها إلى مستوى القيادات العُليا. تذكرت ذلك المصطلح ونحن نشهد تجاوز المرأة السعودية لذلك السقف وما تحرزه من تقدم علمي واداري متجدد تقلّدتْ من خلالهِ مراتباً وظيفية عُليا. الأمر الذي يتزامن مع ما تحظى به من ثقة وتمكين من القيادة وأفراد الأسرة، لقاءَ ما تجودُ به من كفاءةٍ والتزام.