د. محمد بن إبراهيم الملحم
إضافة إلى ما ذكرته سابقًا عن مؤسسات البحث العلمي التربوي المهمة لمساندة القرار التربوي في الحكومات، وما أشرت إليه من مبادرات فردية في مؤلفات بحثية ونظرية عن نماذج تعليمية متميزة يمكن تطبيقها للإصلاح والتغيير التعليمي، فإن هناك مؤسسات أخرى لها دورها المهم كذلك في قرارات التغيير التربوي، وهي الجمعيات والمنظمات التعليمية غير الحكومية، وهذه سائدة في الولايات المتحدة وعلى رأسها جمعيات (أو اتحاد) المعلمين، كما أنها متواجدة في الدول المتقدمة في العالم في الغرب والشرق.
ولو ذهبنا نتأمل ما الذي يمكن أن تقدمه مثل هذه الجمعيات لتطوير التعليم، ستبادرنا فكرة أن أهداف مثل هذه الجمعيات هي مجرد خدمة أعضائها والسعي في حقوقهم وقيمتهم أمام الجهات التي توظفهم وأمام المجتمع، فجمعية اتحاد المعلمين مثلاً تقوم بتدريبهم وتطويرهم مع تقديم فرص تسهيلات مادية لهم من خلال شراكات هذه الجمعيات مع القطاع الخاص الذي يستهدف الترويج لخدماته أو بضائعه عبر هذه القنوات. ولكنها مع ذلك تسهم في تطوير التعليم من خلال محاور عدة، أبرزها اللقاءات السنوية أو النصف سنوية التي تعملها وتقدم فيها أحيانًا أبحاثًا تطبيقية أو مقترحات لمشكلات حية واقعية ويمثل تحليل هؤلاء المهنيين لها رؤية مختلفة عما تقدمة رؤية الأكاديميين في مؤتمراتهم العلمية المماثلة، كما تمثل شراكاتها مع الجهات الحكومية (وزارات التعليم، الفروع، المدارس) لدعم مبادراتها وقراراتها التطويرية عاملاً مهمًا لتقوية قناعات المنفذين في المدارس لهذا الإجراء الجديد أو التوجه التطويري الحديث، وأخيراً فإن أنشطتها التدريبية خاصة تلك التي للمعلمين المبتدئين تعتبر عاملاً مهمًا لدعم التعليم وتقويته من خلال أفراده بل أهم فرد في العملية التعليمية ألا وهو المعلم. رابطة المعلمين مجرد مثال لإحدى الجمعيات المساندة للقرار التعليمي بينما هناك ما هو أكثر وفي مجالات متعددة كالقيادة المدرسية ومساعدة الوالدين والأنظمة والتشريعات والمناهج والتقييم إلخ، فهناك جمعية أو أكثر لكل مجال وكلها تعمل على تطوير ذلك المجال سواء في ما يتعلق بأنظمته أو تطبيقاته بأحدث ما تم التوصل إليه، فهي في الواقع تمثل حلقة الوصل بين البحث العلمي والميدان، كما أنها من جهة أخرى تمثل أيضًا حلقة الوصل بين الجهات التشريعية/التنظيمية والميدان. والأمر نفسه يتكرر في بلدان أخرى، فمثلاً في بريطانيا تمثل جمعية المعلمين العامة لإنجلترا The General Teaching Council for England (GTC) أهم جمعية تمثل المعلمين وتعمل على تطويرهم، إضافة إلى جمعيات المواد والموضوعات المختلفة ومنها مثلاً جمعية Naace المهتمة بتطوير التعليم من خلال تطبيقات تقنية المعلومات والحاسب الآلي. كل هذه جمعيات مهنية وإرشادية وتنموية خيرية أو أهلية وليست جمعيات أنشأتها الحكومات، بل هي ناشئة من ثقافة انتشرت هناك بأهمية مشاركة المواطنين في التنمية والتطوير والتي هي تكون من خلال تنمية المستفيدين من هذه الجمعيات من أعضئها المنتسبين إليها، ولكن دون شك فإن هذه التنمية تنعكس بشكل أو بآخر على النظام التعليمي باعتبارهم جزءًا منه، ومع ذلك فإن عددًا منها وخاصة تلك الجمعيات الكبيرة والتي كونت سمعة متميزة جذبت لها مزيدًا من الدعم المالي تمكنت من المشاركة الوطنية الكبرى وأنجزت إنجازات تشاركية مهمة ترتقي بما تقدمه الحكومة من مبادرات تطويرية.
وفي دول الشرق تجد الممارسة نفسها بل هناك منها ما يقدم للنظام التعليمي فوائد لا يحصل عليها من خلال المؤسسات الرسمية، فمثلاً تمثل جمعية الصين للتبادل التعليمي China Education Association for International Exchange (CEAIE) كمؤسسة غير حكومية قناة متميزة للحصول على الشراكات السلسة مع المؤسسات التعليمية في الدول المجاورة مثل روسيا وسنغافورة، ومع الدول الغربية المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا. ولا شك أن مثل هذه الجمعيات تساعد على تحصيل المنافع أسرع وأسهل مما يحصل مع بيروقراطيات الوزارات والمؤسسات الحكومية في الطرفين.
تأمل معي مقدراً ما تضيفه هذه الجمعيات للقرار التعليمي سواء من خلال ما يتوفر بها من معلومات أو ما تمثله كجماعات تشاركية مع صانعي القرارات التعليمية التغييرية لإصلاح أو تطوير التعليم... فإذا أدركت بتأملك هذه الفوائد العظيمة والمهمة عُد مرة أخرى متأملاً الحال في ظل عدم وجودها وكيف يكون الحال!