د. فوزية البكر
لم يكن سهلاً بلا شك على المخططين في وزارة التعليم أو في الدولة استصدار قرار كهذا سيغير خارطة إعداد المعلمين والمعلمات في المملكة إلى الأبد فالنظام الذي درجنا عليه كان يتبع ما يسمى بالنظام التكاملي، حيث يلتحق خريج الثانوية بكلية التربية في أحد التخصصات ويتخرج منها بعد أربع سنوات ليكون مدرساً في إحدى المراحل أو إحدى المواد.
قبل ذلك وفي بعض المناطق مثل مكة والمدنية المنورة كان هناك ما يسمى بالنظام التتابعي لإعداد المعلمين، حيث يلتحق خريج الثانوية بأحد التخصصات في أية كلية ومن رغب في العمل مدرساً التحق بدبلوم في كلية التربية بعد ذلك أو أن يكون في كليته الأصلية مسار تربوي يسمح له بدراسة التخصص إضافة إلى مواد تربوية وتدريب ميداني في المدارس تطرحها كليات التربية بحيث يتخرج مدرساً متخصصاً في العلوم أو الرياضيات أو العلوم الدينية أو اللغة العربية إلخ.
بدءاً من العام الدراسي المقبل 1439- 1440 سيدخل تاريخ إعداد المعلم في المملكة عصراً جديداً بإلغاء إعداد المعلم من المرحلة الجامعية كلية إلا في تخصص رياض أطفال والاكتفاء بكليات التربية للدبلومات المهنية والدراسات العليا بعد الجامعة والذي يؤمل منه تعميق معرفة المعلم لتخصصه الأصلي وإقباله على مهنة التعليم عن رغبة بعد أن تخرج في تخصصات كان يرغبها مع تكثيف لتمهينه للتدريس بعد الجامعة.
لا شك في أن الكثيرين خاصة من هم في القطاع التربوي قد سمعوا ببعض الحقائق التي أكدتها نتائج الامتحانات العالمية في الرياضيات والعلوم (تيمز) وامتحانات اللغة (بيرلز) والتي أكدت ضعف طلبتنا في كافة المراحل في المهارات الأساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغات بحيث كانت نتائجهم في أسفل درجات السلم الدولي مما يعني في كثير منه ضعف تدريسهم لهذه المهارات والتي يعود في أغلبها إلى ضعف تأسيس بعض المعلمين في موادهم الأساسية هذا إضافة إلى الزيادات الهائلة في أعداد المعلمين في بعض التخصصات النظرية والشرعية وتكدسهم خاصة في بعض المناطق الكبرى كالرياض وجدة بأقصى مما يستطيع نظام التوظيف الحكومي أن يستوعبه إلى الدرجة التي جعلت رواتب المعلمين وحدها مسؤولة عن التهام 90 % تقريباً من ميزانية وزارة التعليم.
التغييرات العميقة مثل هذه دائماً وأبداً ستحمل بعض الدماء النازفة: لا شك في ذلك بمعنى أن هناك من سيدفع الثمن ممن هم وسط مرحل الإعداد في كليات التربية الآن أو ممن كانوا يخططون للالتحاق بكليات التربية من خريجي الثانوية خاصة من الفتيات باعتبار التدريس من أكثر المهن الآمنة غير المختلطة... إلخ لكن الرؤيا المستقبلية لا تتحمل مزيداً من التشتت والتنافر في الأهداف المؤسسية.
يؤمل من هذا القرار أن يحسن من مخرجات معلمي المستقبل ليمتلكوا المهارات الأساسية والشخصية والدافعية المهنية التي تجعلهم يحققون آمالنا فيهم إذ هم من يبقى مع أبنائنا أكثر من خمس ساعات ولخمسة أيام كل أسبوع طوال العام الدراسي لذا من حقنا كمجتمع أن نتاكد أن كل معلم يقف في وسط فصله أين كانت منطقته وأين كان إعداده إلا أنه هو الأفضل بين كافة موظفي الحكومة لأن المعلمين المتميزين يخلقون أجيالاً متميزة.
يؤمل أيضاً من هذا القرار الشجاع أن (يشجع) جامعات المملكة نفسها وكليات التربية تحديداً على اتخاذ خطوات جريئة مثل هذه كدمج بعض الأقسام المتقاربة في التخصص تحت مظلة أكثر عمومية بما يقلص النفقات الإدارية واللوجستية لها والدفع ببعض التخصصات الجديدة التي يؤمل أن تفتح أسواقاً جديدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وصناعة السينما والترفية والرياضة والسياحة العامة والدينية تحديداً والمتاحف والآثار والفنون الجميلة... إلخ من المجالات الواعدة في المملكة تبعاً لرؤية 2030.
لديّ تحفظ على عدم شمول القرار لرياض الأطفال لأن معلمة هذه المرحلة هي في الحقيقة من يزرع أسس المهارات العلمية والرياضية واللغوية والحركية في أطفالنا فإذا كانت غير مؤسسة في هذه المواد فكيف ستنقلها إلى الأطفال. ربما يتحتم إعادة النظر في خطط برامج إعداد معلمة رياض الأطفال في كليات التربية ليشمل مواد تخصصية تأخذها الدارسة من أقسام في كليات متخصصة خارج كلية التربية مثل الرياضيات والعلوم واللغة العربية والإنجليزية والحركية. هنا سنكون معلمة متمكنة تستطيع نقل هذه المفاهيم بالطريقة الصحيحة لامتلاكها أسساً قوية فيها. بأي حال، سيبقى المعلم في شرقنا موضوعاً للجدل والنقاش والرؤى طالما هو من يدير أمة عمادها 70 % من سكانها ممن هم في عمر الشباب.