م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. الاتفاق العام على أن هناك ثقافتين.. أو لنقل ثقافة في مجالين هما المادي والاجتماعي.. الثقافة المادية تغطي وسائل العمل والإنتاج.. أما الثقافة الاجتماعية فهي تغطي العقائد والعادات والتقاليد والأعراف والأفكار ومستوى التعليم.. وكل ذلك ثمرته تظهر في السلوك الفردي.
2. ولتعديل أو تطوير أو تغيير الثقافة بمجاليها المادي والاجتماعي على المهتم أن يتساءل: كيف نعمل.. وماذا نعمل.. ومن أين نبدأ؟ هناك من يرى أن البداية يجب أن تكون بتغيير الثقافة المادية.. أي البدء بتطوير وتغيير وسائل العمل والإنتاج القائمة.. تمهيداً للوصول إلى تغيير الثقافة المجتمعية التي تنتج السلوك.. وسبب ذلك الاختيار هو أنها أسهل قبولاً للتغيير وأكثر مرونة.. فتغيير الواقع في الميدان أسهل وأسرع من تغيير الأفكار والمفاهيم والعادات والتقاليد لدى الأفراد.
3. وإذا كانت البيئة هي المتحكم الأول في الإنسان البدائي.. فإن الثقافة هي المتحكم الأول في الإنسان المعاصر.. وما تنوّع المجتمعات المعاصرة واختلاف مستوياتها المعيشية والحضارية إلا نتيجة تَشَكَّلت بفعل تأثير الثقافة.. فالمجتمعات التي عجزت عن الإفلات من قبضة التخلف تعطي دليلاً على أن معوقات التقدم في ثقافتها أكثر من المحفزات.
4. الثقافة تسبق الحضارة .. فلا يتم بناء الحضارات من الفراغ ودون الاتكاء على ثقافات قائمة يمكنها أن تبني.. كما أن الثقافة تسبق الفرد.. فالفرد يولد في بيئة ثقافية قائمة سواء على مستوى إنسان الغاب أو على مستوى إنسان المدينة الحديثة.. وهو لا محالة سوف يتشكل ويتأثر بهوية تلك الثقافة التي تربى فيها.. وليس ذلك بإرادته، بل إنه ينساق مع تيار ثقافة المحيط كما ينساق القارب مع تيار الماء الجارف.
5. ومن أدبيات دارسي علوم الاجتماع أن العقل الفردي أو الجمعي يرى الأشياء ويحكم عليها من منظار الثقافة.. أي أن الثقافة هي عين العقل.. التي تؤطر الصورة التي يبني عليها العقل حكمه.. أليس الحكم على الشيء فرعاً من تصوره؟!
6. نعود إلى سؤال المقالة: من أين نبدأ؟.. الجواب: لا يهم من أين نبدأ.. المهم أن نبدأ.