د. محمد عبدالله العوين
اتفقت مع الأستاذ تركي السديري رئيس تحرير صحيفة الرياض على أن يكون ضيفاً ثانياً مقابلاً لعبد الله بن خميس في برنامج «بين ذوقين» عام 1405هـ إن لم تخني ذاكرتي.
مررت على جريدة الرياض في مقرها القديم بالملز وركب معي الأستاذ تركي وانطلقتا إلى منزل ابن خميس في المعذر قريباً من الحي الدبلوماسي.
وعلى جسر الخليج تنبهت إلى أن تركي يخرج من جيبه علبة دواء صغيرة ويمضغ منها حبة، فسألته: سلامات إن شاء الله؛ مم تشكو؟ قال: من المعدة يا محمد، لو فتشت في جيوب كثيرين ممن يمتهنون الصحافة لوجدت هذا الدواء!
سار اللقاء هيناً ليناً؛ إلا أن الشيخ لم يرد أن يتحدث عن حياته العائلية كالزواج أو القصص العاطفية والأبناء ونحو ذلك؛ سألته: هل أنت موحّد أم معدّد؟ قال: ربما، قلت: واحدة أم اثنتان: قال: ربما، قلت ثلاث أم أربع: قال: ربما!
ضحكنا معاً على الإجابة الذكية المتخلصة بالتلميح عن التصريح.
وفي لقاء تلفزيوني عام 1406هـ سألت الشيخ عن سر انحيازه للشعر الشعبي مع إجادته للفصيح وعشقه له أيضاً، وأن اندفاع الشيخ وأمثاله إلى تشجيع العامي على الفصيح سيكون مضراً ودافعاً للناس إلى الانصراف عن الشعر بالفصحى إلى العامية؛ فاحتد وانفعل انفعالاً شديداً، وقال: لو أن غيرك سألني هذا السؤال ولامني هذا اللوم وأكثر علي من التجني وأنني وأمثالي نضر اللغة الفصيحة بانجرافنا وحبنا للشعر الشعبي لغضبت أشد مما أنا غاضب الآن، ولشددت عليه في القول، وأبنت له جهله وعقم رأيه وسقم ما ذهب إليه، كيف يكون الاهتمام بالشعر الشعبي خطراً على الفصحى وكلاهما يمتحان من منبع واحد صاف هو اللغة العربية نفسها، اللغة واحدة، والاختلاف في اللهجات، وقديماً كانت العرب مختلفة في لهجاتها؛ فاليمانيون يختلفون عن الشماليين من عرب الجزيرة وهكذا لكل قبيلة لهجة، الشعر الشعبي يصور المشاعر والخلجات وينقل الحكمة والتجارب في الحياة كما يصورها الفصيح؛ فاربأ بنفسك يا محمد أن تكون داعية شقاق وفراق بين هذين اللونين من شعر لغة واحدة لأمة واحدة!
كانت إجابة الشيخ حادة ومحاورتي ومداورتي له ساخنة تقرع السؤال بالسؤال وترد على الإجابة المستفيضة منه بما يشكك فيها أو ينقل ما يتردد في وجدان من يشعر بالوجل والخوف على الفصحى من اكتساح الشعر العامي لمنابر المنتديات والمهرجانات وللصحف وللإذاعات وغيرها.
وبعد أن بث اللقاء في التلفزيون بذلك الحوار الساخن المثير استدعاني وكيل الوزارة وقال: كيف تجرؤ على استفزاز ابن خميس وتثير انفعاله؟ لا يحسن مع هؤلاء الأدباء الكبار إلا أن تسأله وتترك له يجيب كما يشاء! قلت: ولكن الأسئلة المستفزة تخرج كل ما لدى الضيف. قال: الكبار يحترمون ولا يناقشون فيما يقولون. قلت: أبشر يا سعادة الوكيل!