د.فوزية أبو خالد
تناقلت العديد من المصادر الاخبارية بتشاؤم بالغ أو بتفاؤل حذر أو بتوجس وتحفظ فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في انتخابات الرئاسة الأخيرة. فبينما اعتبره مصدر اخباري مثل ال(سي إن إن) كارثة، اعتبرته وكالة أنباء الأناضول تعزيزا لانتصاره على محاولة الانقلاب العسكري الأخير2016م، ولكن بين النقيضين طيف من الرؤى إما المفرطة أو المسكوت عنها بحسب موقعها في الداخل التركي أو الخارجي وبحسب منظورها السياسي.
غير أن مايهم هذا المقال هو استطلاع وجهة نظر علم الاجتماع السياسي لفهم طبيعة هذا الفوز الرئاسي ومخاطره المحتملة من خلال المتناقضات الثنائية الحادة لسلطة أردوغان اليوم بعد آدائه اليمين الدستورية الإثنين 9-7-2018.
فمن ناحية تتجسد ثنائية الأضداد في مجيء أردوغان إلى السلطة الرئاسية عبر الانتخابات ومن ناحية ثانية يتجسد التناقض في محاولته الاستحواذية بتركيز جميع صلاحيات سلطات الحكم التشريعية والقضائية والتنفيذية في يد الرئيس وتوجهه التصفوي بتلك الإقالات الجماعية لعدد من موظفي مرافق الدولة الحيوية وتحديدا الأمن والعدل والتعليم.
بالإضافة لما سبق ذلك من تعديلات دستورية اقتضت إلغاء منصب رئيس الوزراء ومنح الرئيس حق التدخل في النظام القانوني للبلاد وفرض حالة الطوارئ.
وبمراجعة الموقف في إطار علم الاجتماع السياسي فإنه لا بد من الحذر من تحول مايبدو على أنه نصر سياسي سهل ذكاءً أو دهاءً إلى مزالق هزيمة وجودية صعبة، وذلك ليس فقط عندما يجري توظيف ذلك النوع من البراجماتيه الإنتهازية القائلة بإن الغاية تبرر الوسيلة التي تسمح باتباع أساليب ملتوية، قهرية او وضيعة قولا وفعلا في سبيل ما يخال أو يقال أنه أهداف نبيلة، ولكن أيضاعندما يجري توظيف وسيلة واضحة ومشروعة كعقد انتخابات نزيهة والاحتكام لصناديق الاقتراع لبلوغ غاية استفرادية, بما يشكل نقيضا موضوعيا وخيانة للوسيلة وللغاية النبيلة المنشودة بها.
ولابد بمنطق علم الاجتماع السياسي أيضا التفريق بين نصر له طعم الهزيمة، أو طعم الخوف من الهزيمة مع كل رفة هدب وكل دقة قلب وبين نصر بريء لا تخرب طعمه أوزار انتزاع غير عادل للسلطة أو آثام تلطيخ وسيلة شريفة كالمشاركة الشعبية في الانتخابات بغاية دنيئة وهي ابعاد القوى الاجتماعية من أن تصير شريكا في القرار والفعل السياسي بعد استخدام أصواتها للوصول إلى السلطة.
ولابد أخيرا حسب قراءة علم اجتماع السياسة أن نرتقب عدم ختام المشهد بكتابة كلمة النهاية عندما يكون العرض استفراديا على طريقة (رجل العرض الأوحد) « One-man show» أو مايسمى أيضا بالأداء الإنفرادي «solo performance».
والسبب أن الأداء الانفرادي أو عرض الرجل الواحد وإن استعان ببعض الكمبارس أو حتى انتحل الطرق الشرعية يعجز عن كتابة كلمة النهاية حتى بعد إسدال ستارة المسرح السياسي على المشهد، وذلك لأن مثل هذا العرض لايقدم القصة إلا من وجهة نظره هو وحده دون كافة القوى السياسية. وهذا هو النصر الذي له طعم الخوف ومذاق المغبة المحتملة، خاصة في دولة ذات جذور عميقة لمقاومة سلطات الإستبداد وللسجال السياسي، حيث المعارضة في تركيا ذات تاريخ سياسي يصعب اجتثاثها ويستحيل رشوتها أو حتى تحييدها بما فيها العناصر التي قد لاتكون راضية عن التوجه الإستحواذي على السلطة سواء في الحزب الحاكم أو في المجلس النيابي أو في البنى السياسية والنقابية العامة الأخرى.
فأردوغان لن تشفع له نجاحاته الاقتصادية الكبيرة والملفتة عبر تاريخه السياسي لأكثر من خمسة عشر عاما مع فترة رئاسية سابقة إن استمر على الصعيد الداخلي في سياساته الإقصائية تجاه القوى الاجتماعية والسياسية المدنية المستقلة والقوى السياسية الحزبية بما فيه موقف التضييق على حرية التعبير كإقفال بعض قنوات الإعلام أو مصادرة حريات المواطنين من النقاد السياسين وكتاب الرأي والمعارضة بتعريضهم للرقابة، المساءلة أو التوقيف. هذا ناهيك عن سياساته الخارجية الإنتهازية بماتتسم به من تحيز حزبي-لعقيدة حزبه الحاكم على حساب الواقع التركي العام سواء في موقف المساومات السياسية بل والعسكرية تجاه القضية الكردية أو في مواقفه من دول الجوار الإقليمي.
لقد أثبتت سياسات رطانة الخطابات السياسية المزدوجة والمتذبذبة التي تقدم خطابات للخارج تتسم ببعض مساحيق الديموقراطية وبعض أكسسورات المواقف الحقوقية, وأخرى للداخل تتسم معظمها بالتتذبذب بين المنح والمنع أو بين المداواة والجرح، فشلها وسذاجتها.
وهذا ببساطة يعني أنه لايمكن لأوردغان أن يأخذ نتيجة الانتخابات كمؤشر لتأييد مطلق لا عودة عنه مالم يعزز مصداقية القسم بالتراجع عن سياسة تقويض المكتسبات والكف عن محاولة الاستفراد وتوسيع السلطات الرئاسية الحاكمة على حساب مشاركة القوى الاجتماعية كافة وبالتوقف عن سياسة القمع والتسكيت والتخويف داخليا والإقلاع عن سياسة الإستكبار والمساومات والإنحيازات التصعيدية والتوتير خارجيا وخاصة دول الجوار الإقليمي.