عيسى الحكمي
تنطلق اليوم أولى مواجهات نصف النهائي في مونديال كأس العالم 2018 للإعلان عن الطرف الأول في النهائي الحلم، وغداً بإذن الله سنتعرف على الطرف الثاني، وبين مواجهتي اليوم وغداً ظهرت الحقيقة واضحة بسقوط أغلب المرشحين لنيل الكأس بداية من حاملة اللقب ألمانيا وانتهاء براقصي السامبا البرازيل وبينهم سقوط كتيبة اللاعبين الأشهر في العالم ميسي ورونالدو.
وبين ما مضى وما هو قادم تتضح الدروس والعبر الكروية لمن ينشد الطموح والاتقاء بموقعه الكروي في محفل لا يتكرر إلا كل 4 سنوات، وهي عمر كافٍ لكل باحث عن كتابة مكانة جديدة له في تاريخ اللعبة الأشهر، أما من يرتضي الانتظار والرقص على أنغام الماضي فمصيره لا يخرج من دور الدموع المنهمرة على محيا جماهيره، أو دور الكومبارس كما هو الحال بالكثير من المنتخبات.
فأربع سنوات كافية لبناء منتخبات تستطيع أن تسجل لها تاريخاً في المونديال، ومع قليل من الحظ ربما تسجل أبعد من أهدافها مثلما حدث للمنتخب الروسي الذي كان على بعد خطوة من بلوغ نصف النهائي والاستمرار في المغامرة.
اليوم تبدأ مرحلة جديدة ويكتب تاريخ جديد بين المنتخبات الأربعة، فرنسا أولاً بهيبة الترشيح عطفاً على التركيبة العناصرية القوية التي يقودها المدرب ديتشامب الذي لقب ذات يوم بـ «ناقل الماء» على اعتبار أنه كان يقوم بتوزيع الكرات على رفاقه المهرة زيدان وهنري وآخرون كانوا بجانبه عندما تقدم لرفع الكأس العالمية الوحيدة في أجندة الديوك عام 1998، وهذه الأيام يراوده الحلم ليكون اسمه «ملء السمع والبصر» متفوقاً على بلاتيني وزيدان ومثل الألماني بيكنباور الذي فاز باللقب لاعباً ومدرباً.
وتأتي إنجلترا ثانياً عطفاً على ما قدمته في المونديال بفضل الانضباط التكتيكي الرائع الذي يقوده السيد غاريث سلوثغيث بطريقته الشاملة «3-1-4-2» مستعيناً بأدوات صقلها الدوري الإنجليزي القوي لتكون على قدر المسؤولية وقدر الطموح بإعادة تاريخ كتب ذات موعد في عام 1966.
في المقابل لا يمكن استبعاد بلجيكا من الترشيحات وهي التي كانت المرشحة للعب دور الحصان الأسود قبل انطلاقة النهائيات و بعد إخراجها للبرازيل بفضل خطة مدربها الإسباني روبيرتو مارتينيز «الأصغر سناً بين المدربين الأربعة المتأهلين» وبوجود النجم الفرنسي الشهير تيري هنري كمساعد ثانٍ لابن الماتدور بالإضافة إلى كتيبة من اللاعبين يتميزون بالعمر التدريبي الطويل أصبحت أحد المرشحين لنيل اللقب ولن يصدم أحد إذا ما منحت اليوم الديوك تأشيرة العودة إلى باريس وذهبت للنهائي المنتظر.
وأخيراً تدخل كرواتيا بفضل مخطط رجل كرتها الأول دافور شوكر الذي قادها في 98 لتكون ثالثة العالم لاعباً والآن يقود كرتها من مركزه كرئيس للاتحاد لتكرار المنجز وربما الذهاب لما هو أكبر مما توقعته قائمة الترشيحات، وهذا الأمر يجعلها نفسياً في وضع أفضل من الإنجليز عندما تلتقيهم غداً في «معركة لوزنيكي» ستكون فيها الضغوط أكثر على أصحاب علامة الأسود الثلاثة، وهي نقطة تصب في صالح المدرب «زالاتكو» الذي كان إلى وقت قصير مغموراً قبل أن يكتب لنفسه اسماً لن ينسى من ذاكرة الكروات ومن تاريخ المونديال حتى وإن بلغ النهاية السعيدة مرتين بفضل ركلات الترجيح.
إجمالاً لم تعد كرة القدم ملكاً للنجومية المفردة التي ولت مع رحيل الأسطورة الأرجنتينية «مارادونا»، ولا ملكاً للأسماء الرنانة في عالمها، بل أصبحت لمن يعمل ويتطور تدريبياً من سن مبكرة، ومن يرسم الخطط والأهداف المعلنة ويصبر على النتائج ويضع البدائل لأي طارئ، وهو الدرس الذي قدمته المنتخبات الأوروبية بصوت عالٍ في روسيا لأسماع وعيون نظرائها في أمريكا اللاتينية فأصبحت السطوة لصالحها بأربعة ألقاب متتالية بدأت من 2006 وحتى اللقب الجديد لتكون النتيجة محسومة 12 /9، في حين لا عزاء لقارتي أفريقيا وآسيا سوى المشاركة الشرفية إلى أن يكتب الله أمراً كان مقضياً!.