عبده الأسمري
بين شد وجذب وتوافق واعتراض وهوامش ومتون نتعاطى يوميا مع عشرات المؤثرات البصرية والسمعية من خلال ما نتلقاه من أنباء وأخبار وتقارير ورسائل توعوية أو تحذيرية وما نمارسه من حياة في المجتمع أو العمل أو بين الآخرين.. كل ذلك يشكل لنا صورة يومية تمتلئ بالمفارقات والافتراقات.. لا أحد ينكر الفائدة التي تظهر من بين عشوائية مؤلمة أو نفع يشع وسط ظلام مكرر..
كثيرة هي الهوامش التي يدور فيها الناس يوميا ويضيعون أوقاتهم فيها بل ويشبعونها حديثا مما حول الموضوع إلى ظواهر خفية تملأ مساحات الحياة وكم خوفي أن تطغى على مساحات المتون الراقية النائية عن جدل السفهاء.
عندما يكون هنالك نقاش فإن الرأي متاح والحوار مطلب والسماع ضرورة والاختلاف وارد وعندما تصادر هذه الحقوق النفسية من على طاولة المناقشة فإن الأمر سيدخل حتما في مسارات هامشية معتمة وكم من القضايا التي انتهت بهذا المصير البائس نتيجة عدم الفهم أو تغافل الآخر أو إصرار الذات.لذا فان ثقافة الحوار لدينا تحتاج إلى مراجعة بدءا من جلسة الأسرة مرورا بيوم الدراسة ثم مجتمع العمل وانتهاء بالمحيط الاجتماعي الذي تدار فيه حلقات النقاش أو جلسات المشورة وحتى لقاءات الأصدقاء.
منذ زمن تحول مجتمعنا كثيرا إلى قطب السخرية المخجلة التي وصلت إلى معدلات «التطرف الهزلي» حتى حل الهزل واستعمر الاستهزاء مرابع اللقاءات وتحولت الصور والمقاطع وحتى الآراء إلى سخرية متداولة تنتشر بسرعة مذهلة مما يوحي بوجود كم من الساخرين الفارغين المتفرغين لذلك لدرجة أن الأمر قد وصل إلى أوساط «التجمعات الرسمية» في بعض الأحيان.
فكيف لنا أن نبني ثقافة أجيال وأن نحافظ على متون ثقافية وأن نصون سمعة ثقافة من تحولها إلى مسارح من الهزلية والسخرية.
هل انصبت ثقافتنا كمجتمع على تصوير الوجبات والولائم وبروزة وجبات الكيك والحلا والشاي والقهوة وأطباق الولائم إلى درجة باتت هذه المؤثرات البصرية جزءا من ثقافتنا المرتكزة على التصوير الذاتي وتلميع «الأنا» بصورة مخجلة وخارج الذوق في وقت تظل ثقافة الفائدة معدومة في ظل سطوة ثقافة المنافسة والتوثيق الفارغ ولو دققنا في الأمر لوجدنا أن المتون غائبة فلماذا استوطنت هذه الهوامش حتى عقول الأطفال والبعض أما مروج للثقافة أو مصفق لها أو صامت عنها فيما انعدم تناقل أو تبادل صور صفحات الكتب والمعارف التي تنقي الأنفس من ويلات السوء وترتقي بالأرواح إلى مصاف السواء. فهل وقفت قراءتنا في زمن معين أو نقطة محددة.؟!
إذن فأين ثقافة التصوير المفيدة وسط هيمنة فيديوهات وصور المطابخ والكوفيهات وحتى جلسات الشواء وشاي الجمر في كشتات البر في ثقافة هامشية تتجدد يوميا لأنها تمتلئ وتفيض فتنتقل السلوكيات إلى هوامش جديدة ومستحدثة.
العزلة مسيطرة والتعميم جائل في كل شيء هنالك عدوى بائسة تنتقل بين المجتمع وتسطو في جنبات الأسر فمواعيد السهر واحدة والسفر والتسوق في ذات التوقيت والتنافس والتباري في التفاهات مقياس لثقافة مخجلة معممة..
غابت نماذج الاقتداء والاحتذاء وباتت ترتكز على تتبع سفهاء وسفيهات التواصل الاجتماعي.. والتقليد الأعمى حاصر العقول..حتى باتت القلوب مريضة مكتظة بالقلق والتوتر والضيق.. لأن الهامشية مرتفعة فالكل يعدو في مضمار بلا خط نهاية ودون فوز وكي يخرجون من ويلاته عليهم البحث عن مضمار يكون فيه تنافسا راقيا ونقطة بداية وخط نهاية وانتصار لا أن يسيرون في هوامش مصيرها الهزائم النفسية والاندحار الاجتماعي.
ثقافتنا الاجتماعية بحاجة إلى إعادة نظر وإلى دراسة لظواهر الهوامش التي غيرت ملامح مجتمعنا وصادرت الرقي ووأدت الذوق.. الأمر يحتاج إلى انتفاضة عاجلة على مستويات الأسر والحي والمدراس والجامعات ومواقع العمل والاجتماعات ومنابر المساجد وحتى مراكز البحوث حتى ننقذ ما يمكن إنقاذه من السوء الذي يحيط بالثقافة الأسرية والاجتماعية والإنسانية ليتم طمس بعض الثقافات وإعادة بناء ثقافات جديدة تتماشي مع فكرنا وتطلعاتنا نحو مجتمع مثقف واعٍ ومخرجات واعدة للأجيال القادمة.