د.عبدالله بن موسى الطاير
لم يعد هناك قضايا محلية صرفة، فقد أصبحت «اللقافة» سمة هذا العصر. لكن الذي يثير الأسئلة هو: لماذا التركيز على «نتف» الأخبار السعودية وإهمال ما لا تحجبه الغرابيل في بلدان أخرى؟ وقبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال دعونا نستعرض الأخبار التي أفردت لها الصحافة العالمية الناطقة باللغة العربية مساحاتها خلال الساعات القليلة الماضية.
قضية «طمبق» المتحرِّش بالأطفال، وانتحار طفلة في المدينة وآخر في أبها، واستقدام موظفين من الأردن، وحرق سيارة مواطنة في منطقة مكة المكرمة، وموضوع الولاية، وفاتورة الكهرباء أفردت لها كل من BBC, CNN, Deutsche Welle, Euronews, Sputnik وروسيا اليوم، والحرة مساحات واسعة من تغطياتها.
علينا أن نسلّم بداية بأن أول معايير نشر أخبار السعودية يتمثّل في دعم تسويق ورواج تلك الوسائل في البلدان الناطقة باللغة العربية، ولذلك فإن المزاج العام للمتلقين يحدد معيار انتقاء الأخبار التي تنشر عن السعودية. أما المعيار الثاني للنشر عن السعودية فيتعلّق بالأجندة الإعلامية لتلك المؤسسات الكبرى والتي ترى أن إبقاء السعودية والسعوديين تحت الضغط المتواصل يتماهى مع التوجهات السياسية للدول التي تبث منها أو للتكتلات الثقافية التي تنتمي إليها، وثالث مبررات النشر «للنتف» الإخبارية ربما ذي علاقة بمؤثّرين في تلك الوسائل ومراسليها ممن عملوا ويعملون إعلامياً على تصنيف المملكة إلى فئتين؛ الأولى نافذة يتقرّبون إليها تقية وخوفاً ونفاقاً، ومتى سنحت الفرصة يبتزونها كما حدث في الأعوام 1990، 2001 و2011، ثم كانت آخر غزواتهم المعلنة في يوم «حنين»، أما الفئة الثانية فهي عامة المجتمع السعودي، حيث تقوم علاقتهم معه على خلاف مضمر حيناً ومعلن أحايين أخرى. وسبب تلك العداوة المستحكمة أن المجتمع رفض توجهاتهم ولم يقم لشهرتهم وزناً، ولا لرغباتهم كيلاً.
وكان أكبر ما صدم هذه الفئة خطاب الملك سلمان - حفظه الله- في مجلس الشورى الذي نص على أنه «لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال»، جاءت هذه الصفعة في ذروة النشوة، حيث حاول البعض اختطاف إصلاحات الحكومة وتجييرها لمنهجهم الذي يراه غالبية المجتمع انحلالاً. ولأنهم لا يعطون أهمية لنبض الشارع السعودي، فقد عملوا على إقناع مكنة الإعلام الغربي ومن وراءها بأن تمسك السعوديين بدينهم وعاداتهم وتقاليدهم هو سبب التطرف والإرهاب وكراهية الغرب وأن الحكومة السعودية تدعم تلك التوجهات المجتمعية، وعليه فقد مارسوا عقوداً طويلة التشنيع على الدولة السعودية سراً وجهراً، واستعدوا المنظومة الغربية بمؤسساتها وإعلامها ونخبها على هذا البلد. هؤلاء - الذين نكسوا رؤوسهم حالياً- يعملون على إيهام الداخل والخارج أنهم جزء من منظومة صناعة القرار، وهم في ذات الوقت يحركون أذنابهم المتمثّلة في علاقاتهم الإعلامية لاستثارة الرأي العام الداخلي وتوتير علاقته مع الدولة ليقولوا لعرابيهم بأنهم ما زالوا على العهد.
أما رابع مبررات نشر الأخبار الصغيرة جداً جداً فهو بسبب اهتمام المغرّدين السعوديين بها، فعندما يتصدر تويتر «ترند» عن التعاقد مع موظفين من الأردن، أو شأن يمس حياتهم اليومية كارتفاع فواتير الكهرباء، أو يخدش المنظومة القيمية والأخلاقية كـ «طمبق» فإن ذلك يصب في اهتمام تلك الصحف، ولكن بدلاً من تبني وجهة نظر السعوديين فإنها تضع تلك الأخبار في سياق تأليب وتغذية المزاج الساخط بما يُبقي جذوة التهديد -التي طالما بشّروا بها- حامية وإن تحت الرماد.
وزارة الإعلام تستطيع تنظيم المزيد من اللقاءات التوعوية مع كبار المغردين لضمان الاصطفاف إلى جانب التوجهات العامة للدولة والمجتمع، كما أن التوسع في نشر الأخبار الإيجابية المضادة بطرق جاذبة وتعاون المغرّدين في ذلك يجبر وسائل الإعلام الموجهة على التماهي مع الحالة الشعبوية وإن كانت إيجابية.