عمر إبراهيم الرشيد
تنتصب فوق تراب المملكة شواهد تاريخية تعود للحضارات البشرية الأولى، كما يطمر ترابها ما لم يكشف بعد من آثار عتيقة، والتغيير والنقلة النوعية في قطاع الآثار سوف يحول أنظار العالم إلى مدائن صالح والدرعية والأخدود وباقي الشواهد الحضارية بإذن الله تعالى. نشهد هذه الأيام سوق عكاظ التاريخي، وإعادة الحياة إلى أطلال هذا السوق التاريخي إنما هو إحياء لتاريخ الجزيرة العربية العريق، وتأكيد لمكانة المملكة التاريخية والروحية كما هي السياسية والاقتصادية. رائع هو الشعور حين تمشي في إحدى جادات عكاظ وينتابك شعور بأن صوت خطيب العرب قس بن ساعدة الإيادي يتناهى إلى سمعك، واقفا على شرف ومتكئا على عصاه يخطب في السوق داعياً إلى التوحيد قبل البعثة النبوية، وهو الذي أثنى عليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قائلا عنه بأنه يجر أثوابه في الجنة. بل إن مصادر تاريخية تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سوق عكاظ لينشر دعوته بين قبائل العرب هناك، ثم أن شعراء المعلقات وخطباء العرب من النابغة الذبياني، فالخنساء إلى لبيد بن ربيعة وزهير بن أبي سلمى، عدا عن التجارة وتبادل السلع والتحكيم وغيره من تبادل المنافع بين الناس. إذا فنحن بصدد مهرجان تاريخي أدبي ثقافي، اجتماعي واقتصادي كان يعقد كل سنة في مكانه الحالي، إلى أن طوته قرون من الزمان فلم يبق منه إلا الأطلال، حتى بعث من جديد من قبل إمارة مكة المكرمة ليعود للحياة سوقاً تاريخياً عريقاً.
هنا وبما أننا في أيام انعقاد السوق، فإني أدلي برأيي المتواضع وملاحظاتي على بعض أنشطة السوق، حرصاً على رونقه وهويته التاريخية ودعماً للقائمين عليه. فإدخال بعض الفعاليات إلى نشاط السوق قد يخرجه عن مساره ويفقده رونقه وعراقته التاريخية، مثل اشتراك بعض الجهات سواء العامة أو تلك التي تخص القطاع الخاص والتوسع في ذلك بعرض نشاطاتها وخدماتها في وحدات أو أكشاك. كذلك إقامة حفلات غنائية حديثة الطابع بدل أن تقتصر على الفن الشعبي يخرج السوق عن مساره، وبنظرة عامة أقول وهذا رأي لا أفرضه وإنما أقدمه محبةً وحرصاً، حبذا لو تكون البساطة والبعد عن التكلف هي روح السوق ليتفرد بعراقته وتميزه التاريخي.
وأؤكد ختاماً على روعة وأهمية بعث السوق وإعادة الحياة إلى أطلاله، لتعريف أجيالنا الحالية واللاحقة بتاريخنا الثقافي والاجتماعي العربي ولغتنا المجيدة، حفظكم العزيز القدير.