عبدالعزيز السماري
تعزز السياحة في مفهومها العام النمو الاقتصادي وتنوع اقتصاديات المنطقة، مع توفير إمكانات لدعم خلق فرص العمل، كما أنها تعزز التفاهم بين الثقافات وتبني جسورًا من حسن النية والثقة، فالسفر مضاد للتحيز والتعصب والضيق العقلي والتطرف والعنصرية، وقدوم السواح يثري التنوع والانفتاح في البلاد، ويفتح الأبواب لفرص جديدة في حياة الشعوب..
من المؤكد أن خلق فرص العمل في المجتمعات التي تعاني من البطالة أمر بالغ الأهمية لأي حوار حول الآثار الاقتصادية الإيجابية للسياحة، ويشير تقرير الأثر الاقتصادي لعام 2017 الصادر عن المجلس العالمي للسفر والسياحة إلى أن الصناعة تولد وظيفة من بين 10 وظائف في جميع أنحاء العالم، وقد تنمو بوتيرة تفوق في الأداء على التوظيف في الاقتصاد العالمي للسنة السادسة على التوالي.
كما يشير التقرير أيضًا إلى أنه من بين الوظائف الجديدة، يستأثر القطاع بواحد من كل خمسة، كما يسهم التعليم حول السياحة المستدامة في تسليط الضوء على أهمية التخطيط الإستراتيجي، ومع زيادة وعي المستهلكين بالمزايا الدائمة والمتمثلة في احترام الطبيعة والآثار وتعزيز مفاهيم الصحة والجمال البيئي..
لكنها مع ذلك لا تتميز بالاستمرارية في توفير فرص العمل، فالسياحة تتأثر كثيراً بتقلبات الطقس واضطرابات الحياة، كذلك سيكون من الصعب جداً على المجتمعات المحافظة أن تتحول إلى دول سياحية على غرار إسبانيا واليونان وتايلند، فالحياة المحافظة ترفض الغرباء، وتفرض عليهم شروطها في التسوح، وقد نحتاج إلى عقود من الزمن لنتحول إلى دولة سياحية من الدرجة الأولى..
لكن سؤالنا الأهم هو هل من الممكن أن تكون السياحة صناعة أساسية تقوم عليها اقتصاديات الدول؟ لو تأملنا تجارب الدول السياحية الأكبر، فالسياحة في إسبانيا -على سبيل المثال- تعتبر راسخة كقطاع رئيس للاقتصاد، لكن آخر الأرقام تكشف أن السياحة تمثل نسبة 16% من الناتج المحلي الإجمالي الإسباني، مع أن أكثر من 75 مليون سائح يزورون البلاد كل عام، وهو ما يعني أنها لم تنجح أن تكون العمود الفقري للاقتصاد..
كذلك الحال في اليونان والتي تعاني من هزات اقتصادية، فقد بلغت المساهمة الإجمالية للسياحة 28.3 مليار يورو (أي 16.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي). لكن ذلك لم يشفع لها أن تنقذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الحالية، كذلك في تايلند تتراوح تقديرات إيرادات السياحة التي تسهم مباشرة في الناتج المحلي الإجمالي في تايلاند من 9 في المائة (واحد (2013) إلى 17.7 في المائة في عام 2016، برغم من أنها دولة مهيئة من مختلف أشكال السياحة الإيجابية والسلبية..
لذلك لا يمكن أن تكون السياحة رافدًا رئيسًا في الاقتصاد، فالاستثمار فيها معرض للخسارة تحت أحوال معينة، وبناء اقتصاديات الدول يعني دخول معترك المنافسة العالمية في الصناعات الحديثة وتقنية المستقبل والصناعات الثقيلة في المواد الأساسية، وسيكون من الصعب تحقيق أرقام مجدية في مجال السياحة، لكن فائدتها تبدو في رفع مستويات الوعي الثقافي، وفي إثراء تجارب الإنسان من خلال الاختلاط مع الثقافات الأخرى، وقد تكون في حال نجاحها رافدًا فرعيًا للاقتصاد، وليس رئيسًا..
الله ولي التوفيق.